كمبالا-سودان سكوب

في عالم تكتنفه الفوضى والصراع، تتجلى قصص صمود فردية كمنارات أمل. قصة المهندس الزراعي السوداني، (أسامة عباس نمر) ، هي إحدى هذه المنارات. كانت حياته المهنية مستقرة في وزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية بولاية غرب كردفان، قبل أن تبتلعه دوامة الحرب التي عصفت بالخرطوم في منتصف أبريل 2023.
"انتظرنا شهورًا عديدة على أمل أن تتوقف الحرب قريبًا" يقول أسامة، وهو يتذكر الأيام الأولى من الصراع الذي مزق نسيج السودان. "لكن انتظارنا طال لأكثر من 11 شهرًا، واتخذت الحرب منعطفًا آخر، فبدلاً من أن تكون بين الجيش وقوات الدعم السريع، أصبحت تضم أطرافًا قبلية وجهوية".
يصف أسامة كيف عمت الفوضى، وانتشر النهب والسلب، ليجدوا أنفسهم يعانون من البطالة وانعدام فرص العمل، بينما توقفت المدارس، تاركة أبناءهم دون تعليم. كان القرار بالرحيل واقع لا مفر منه.

رحلة محفوفة بالمخاطر: من (غرب كردفان) إلى (جوبا)

انطلقت رحلتهم من غرب كردفان جنوبًا باتجاه جنوب السودان. وعلى الرغم من سهولة الجزء الأول من الرحلة، إلا أن المتاعب بدأت تتكشف عند عبور الحدود إلى جنوب السودان. "البلد آمن نوعًا ما من الناحية الأمنية" يوضح أسامة، "لكن المشاكل كلها واجهتنا عند نقاط التفتيش، أو ما يُسمى بـ ‘الارتكازات’ في الطريق إلى جوبا".
هنا، يصف أسامة إحساسًا عميقًا بالظلم والغضب لدى أفراد نقاط التفتيش تجاه أي قادم من السودان. "مهما كانت إجراءاتك سليمة ومستوفاة، تتعرض للاستفزاز وإجراءات غير قانونية "يقول بحسرة. يفرضون رسومًا من عندهم وتُجبر على الدفع و بدون أي تفاهم أو حوار، وبشكل مستفز وبتعامل قاسس جدا". يذكر أنه في إحدى النقاط، وصلوا صباحا ولم يتمكنوا من التحرك حتى الساعة الرابعة عصرا.
لم يجد أسامة تفسيرا لتعامل "الإخوة الجنوبيين" سوى شعورهم بـ"غبن دفين" تجاه الشماليين، على الرغم من أن الجنوبيين كانوا يمرون بسهولة إلى الخرطوم بعد الانفصال دون مضايقة أو فرض رسوم.

الوصول إلى أوغندا: ملاذ الأمل

على الرغم من هذه الصعوبات، واصلوا طريقهم إلى جوبا، ومنها إلى الحدود الأوغندية مع جنوب السودان. "سبحان الله، داخل حدود أوغندا كان العكس تماما" يروي أسامة بنبرة مفعمة بالأمل. "لم نتعرض لأي مضايقة أو استفزاز حتى وصلنا إلى المعسكر في منطقة (بيالي) بأوغندا. شتان بين هذا وذاك!"
بعد وصولهم إلى بيالي، استقبلتهم مكاتب شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، حيث قاموا بالتسجيل وحصلوا على جميع الأوراق المطلوبة لإجراءات اللجوء من استمارات وبطاقات.

من اللجوء إلى ريادة الأعمال الزراعية

بمجرد الاستقرار في بيالي، كان التفكير الأول لأسامة هو تأمين مصدر دخل لإعالة أسرته وإرسال المال لأهله الذين بقوا في السودان دون مصادر دخل. "أول ما فكرنا فيه كانت الزراعة، باعتبارها المهنة الأساسية التي نعرفها".
بجهده الخاص، حقق أسامة نجاحًا باهرًا في موسمه الزراعي الأول. وبسبب ضعف رأس المال، ناشد بعض الأفراد من أصحاب رؤوس الأموال الباحثين عن فرص استثمارية، وقد استجاب البعض. "توسعت في مجال الزراعة وبلغت 23 فدانا" يقول أسامة بفخر.
لم يتوقف طموح أسامة عند هذا الحد. ففي الموسم التالي، اضطر للانتقال خارج (بيالي) إلى مناطق المشاريع الزراعية الكبيرة في شمال أوغندا، مثل (قولو) و(غرب قولو) و(أروا). "توسعنا في عمل الزراعة والحمد لله، وأصبح العمل كبيرًا جدًا، وصل إلى 300 أو 400 فدان". وعلى الرغم من أنهم لم يحصدوا إنتاجهم بعد، إلا أن النتائج "مبشرة جدًا ومتوقع نجاحها الكبير إن شاء الله".

المحاصيل والتسويق في أوغندا

تتركز زراعة أسامة على المحاصيل الأساسية ذات الطلب العالي، حيث يزرع الذرة الشامية، أو ما يعرف في السودان بـ (عيش الريف)، بالإضافة إلى فول الصويا.
يجد أسامة سوقًا جيدًا ومفتوحًا لتسويق محاصيله في أوغندا. يمكنه أيضًا عرض منتجاته في البورصة الزراعية المتواجدة في منطقة (ليرا).

على الرغم من أن أسعار المحاصيل تكون منخفضة في بداية موسم الحصاد بسبب وفرة العرض، إلا أنها تبدأ في الارتفاع بعد شهرين تقريبًا. ومع ذلك، يفضل أسامة البيع مباشرة فور الحصاد لتلبية التزاماته العاجلة.
ختامًا، تُعد قصة أسامة عباس نمر شهادة حية على مرونة الروح البشرية وقدرتها على تحويل المحن إلى فرص. في خضم الصراعات السياسية التي تتجاهلها العناوين الرئيسية أحيانًا، تُذكرنا هذه القصص بأن الأمل يزدهر غالبًا في الأماكن غير المتوقعة، على يد أفراد يرفضون الاستسلام لليأس.