في ظل الصراع الدائر في السودان، تشهد البلاد انقسامًا إداريًا واقتصاديًا عميقًا بين مناطق سيطرة القوات المسلحة السودانية ومناطق سيطرة قوات الدعم السريع. هذا الانقسام لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل يمتد ليشمل الاقتصاد، مخلفًا آثارًا كارثية على القطاع الخاص، الموارد، والتجارة.

 في هذا الحوار مع الأستاذ أحمد السيد، أمين شباب إتحاد أصحاب العمل في الفترة الانتقالية، نسلط الضوء على أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه السودان اليوم، من منظور هيكلي وتجاري.

من الناحية العملية، كيف أثر الانفصال الإداري بين مناطق سيطرة الجيش والدعم السريع على الاقتصاد السوداني، خاصة فيما يتعلق بالقطاع الخاص؟

أدى هذا الانفصال إلى تداعيات اقتصادية وخيمة على كل السودان. أولًا، فقد القطاع الخاص في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع أسواقًا ضخمة في غرب السودان ودارفور، والتي تعتبر مراكز رئيسية للتسويق. ثانيًا، أصبحت نفس هذه المناطق، التي تُعد مصادر مهمة للمواد الخام، خارج نطاق سيطرة الجيش، مما أدى إلى صعوبة وصول المواد الأولية مما أضر بحركة التجارة في مناطق سيطرة الجيش. أضف إلى ذلك، فقد القطاع الخاص في مناطق الدعم السريع إمكانية الوصول السهل إلى الموانئ، مما يدفعه إلى البحث عن طرق بديلة لاستيراد البضائع عبر دول مجاورة مثل جنوب السودان، الكاميرون، أو ليبيا. هذه الطرق البديلة تكرس للانفصال الاقتصادي وتجعل عملية التجارة أكثر تكلفة وتعقيدًا، حتى في حال عودة السلام. الانفصال الإداري يؤدي أيضًا إلى ارتفاع كبير في تكاليف المواد الأولية بسبب الرسوم الإضافية المتفاقمة عند نقلها بين المناطق، مما يقلل من القدرة التنافسية للشركات السودانية في الأسواق العالمية

ما هي أبرز المشاكل التي يعاني منها القطاع الخاص، خاصة في مناطق سيطرة الجيش؟

يعاني القطاع الخاص في مناطق سيطرة الجيش من عدة مشاكل، أبرزها هو تزايد الشكاوى من (الضرائب الباهظة) والتعامل الحكومي "المتعسف" الذي يحاول تعويض فقدان الموارد الحكومية. كان من الأفضل توسيع المظلة الضريبية وإدخال ممولين جدد بدلاً عن الضغط على الممولين الحاليين. هذه الرسوم المرتفعة تدفع التجار إلى العمل في مجال التهريب أو في "الظلام" لتجنب الضرائب، مما يضعف الاقتصاد الرسمي، كما يواجه القطاع الخاص صعوبة في إعادة إعمار وتأهيل أعماله بسبب الرسوم التجارية المرتفعة، مما يعوق عملية عودة الحياة الطبيعية في المناطق المتأثرة بالحرب.

هناك حديث عن عدم وجود قطاع أعمال منظم في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع أو مناطق حكومة تأسيس؟

للأسف، لا يوجد حتى الآن جسم منظم يمثل القطاع الخاص في تلك المناطق، مثل اتحاد لأصحاب الأعمال أو الغرف التجارية. هذا الأمر يضر بالعمليات التجارية بشكل كبير، حيث يؤدي إلى تخبط وعدم وضوح في الرؤية الاقتصادية للدولة. على سبيل المثال، تمر البضائع عبر طرق وعرة وتخضع لإعادة تحصيل الرسوم في أكثر من نقطة من قبل قوات غير متجانسة، مما يزيد من تكاليف التجارة. في ذات الوقت، تأثرت أسعار المحاصيل والسلع بشكل كبير بسبب إغلاق الطرق الرئيسية. على سبيل المثال، أصبح تصدير المحاصيل يتم عبر تشاد، حيث تُصدر كمنتجات تشادية للاستفادة من الإعفاءات الجمركية التي حصلت عليها تشاد بموجب اتفاقية مع الصين.

أدت القرارات الأخيرة بوقف التصدير بين مناطق السيطرة إلى تداعيات كارثية. ما هي أبرز نتائج هذه القرارات؟

تسبب قرار وقف التصدير بين المناطق في كارثة للتجار من الجانبين. تأثرت صادرات الثروة الحيوانية بشكل كبير، حيث أصبحت المواشي تُنقل عبر طرق صحراوية وعرة، مما يزيد من التكاليف والخسائر. كما تعرضت المحاصيل الزراعية للتلف بسبب التخزين الطويل في مناطق الدعم السريع. هذا الوضع دفع التجار إلى البحث عن بدائل، مثل التبادل التجاري مع دول الجوار كجنوب السودان وتشاد وليبيا. أثر القرار أيضًا على مناطق سيطرة الجيش، حيث أصبح محصول الفول السوداني نادرًا وارتفع سعره بشكل كبير، مما أدى إلى إستيراد زيوت بديلة. كما ارتفعت أسعار اللحوم رغم زيادة الصادرات من المواشي الموجودة في الوسط والبطانة، لتعويض النقص القادم من الغرب. أما الخطر الأكبر، فهو غياب البذور والأسمدة عن مزارعي غرب السودان، مما يهدد بحدوث "مجاعة" في تلك المناطق بسبب الانفلات الأمني والدمار المستمر. 

شهد سعر الصرف انهيارًا حادًا.. ما أبرز الأسباب التي أدت إلى ذلك؟

السبب الرئيسي هو غياب الدعم الخليجي الذي كان يوفر العملة الأجنبية بشكل كبير. كما أدت الصعوبات في تصدير الذهب، نتيجة لصعوبات النقل المباشر، إلى إطالة دورة تهريب الذهب، مما أثر على كمية العملة الصعبة المتاحة. أضف إلى ذلك، أن الجهات الحكومية والعسكرية تحتاج إلى عملة صعبة لتلبية متطلباتها وفواتيرها الضخمة، ودخولها للسوق لشراء كميات كبيرة من العملة أدى إلى ارتفاع سعر الصرف بشكل حاد.

أثار قرار تبديل العملة جدلاً واسعًا. ما هي أبرز المشاكل التي نتجت عن هذا القرار؟

كان قرار تبديل العملة كارثيًا، حيث لم يتم بشكل كامل، بل في مناطق محددة فقط، مما خلق حالة من التشوه. على سبيل المثال، لم تشهد مدينة ود مدني تبديلًا للعملة، بينما حدث ذلك في المناطق المجاورة. هذا أدى إلى خسائر كبيرة للتجار، وتسببت في انقسام تجاري بين مناطق السيطرة المختلفة، حيث أصبحت العملة القديمة غير معترف بها في مناطق الجيش، مما أثر على انسياب البضائع، كما شابت عملية التبديل فترات متقطعة من التمديد والوقف، مما سمح لبعض السماسرة بالتحصيل على أموال وتبديلها، وساهم في تعقيد الوضع. يضاف إلى ذلك أن طباعة العملة الجديدة مع شركة روسية، بشروط تأمينية أقل وتكاليف أعلى، يزيد من حجم المشكلة.

كيف يمكن معالجة هذا الوضع الاقتصادي المتردي؟

أولًا، يجب معالجة العجز الكبير في الميزان التجاري، والذي سببه اضمحلال الصادرات وضعف الطلب على الخدمات، بالإضافة إلى تدمير القطاع الخاص ووسائل الإنتاج. يمكن معالجة ذلك من خلال التركيز على رفع الإنتاج وزيادة التمويل في القطاعين الزراعي والصناعي، كما يجب التوسع في شراء الذهب عبر الطرق الرسمية وإعادة تصديره لزيادة عائدات العملة الصعبة، هذا الأمر سيعزز من الدوائر الاقتصادية ويزيد من فرص معالجة الفجوة بين الصادرات والواردات.

أخيرًا، تحدثت عن تأثير العقوبات الدولية.. ما هو تقييمك لفاعليتها؟

كانت العقوبات الدولية شخصية تستهدف كيانات بعينها. ولكن الواقع الاقتصادي في السودان لا تديره شركات واضحة، بل "شركات ظل"، وأخرى تابعة لجهات عسكرية أو إسلامية. هذه الشركات تتعامل عبر وسطاء وسماسرة في دبي وبعض الأسواق الأوروبية والآسيوية لتسهيل عملياتها وتجنب العقوبات. لذلك، ما لم تكن العقوبات جادة وتستهدف هذه الشبكات والوسطاء، فإنها ستكون محدودة التأثير. يجب أن تستهدف العقوبات بشكل محدد الأشخاص والشركات ووكلاءهم الخارجيين لمنعهم من الحصول على الأسلحة والعقود، مما قد يساهم في تهدئة الصراع بشكل أو بآخر.