الخرطوم-سودان سكوب
في زمن الحرب السودانية، حيث تتعدد الجبهات وتتداخل المصالح، أصبحت قضية المصباح أبو زيد قائد مجموعة (البراء بن مالك) الاسلامية التي تقاتل بجانب الجيش السوداني ،بمثابة مرآة تعكس الفوضى الراهنة. إنها ليست مجرد قصة اعتقال وإفراج، بل هي مثال حي على كيفية استخدام الأخبار المتناقضة كأداة سياسية، وكيف أن التحالفات التي تبدو صلبة يمكن أن تنهار تحت ضغط أي حدث مفاجئ.
توقيف غامض وإفراج غير مؤكد
تفيد التقارير بأن المصباح أبو زيد قد تم توقيفه من قبل السلطات المصرية بعد وصوله إلى القاهرة للاطمئنان على أسرته و العلاج كما تردد من عدة مصادر . ورغم أن فترة احتجازه لم تتجاوز بضعة أيام، إلا أن القضية سرعان ما تحولت إلى أزمة سياسية. وبينما تشير بعض المصادر إلى أن الاعتقال كان إجراءً روتينيًا بسبب "بلاغات كاذبة"، فإن معلومات أخرى تضع الأمر في سياق مختلف تمامًا؛ فاعتقاله قد يكون مرتبطًا بالنشاط الاجتماعي الذي قام به بعد وصوله، حيث استُقبل من قبل بعض السودانيين بهتافات ذات طابع إخواني، وهو ما يتعارض مع سياسات النظام المصري.
الرواية الأكثر إثارة للجدل لم تأتِ من مصدر رسمي، فقد أعلن المصباح بنفسه، عبر صفحته على فيسبوك، عن إطلاق سراحه، موجهاً الشكر لمصر على "حسن المعاملة"، ومؤكداً براءته من التهم الموجهة إليه. لكن هذا الإعلان، الذي تم عبر منصة تواصل اجتماعي، لم ينهِ الجدل. فقد تزامن مع ظهور تقارير أخرى تفيد بأنه لا يزال قيد الاحتجاز أو يتلقى العلاج في أحد المستشفيات. وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم يصدر أي تأكيد رسمي من السلطات المصرية أو السودانية يؤيد رواية الإفراج، بل بعض رفاق المعتقل صرحوا بفقدانهم للتواصل معه.
انقسامات داخلية وتحالفات هشة
لم يتأخر رد فعل الإسلاميين السودانيين على الواقعة، حيث اعتبرت منصات إعلامية مقربة من "فيلق البراء" الداعم للجيش السوداني، أن هذا الاعتقال يمثل "طعنة في ظهر العلاقات الأخوية" و"عدوانًا سافرًا". وتصاعدت حدة الخطاب لتشمل تهديدات مبطنة بعواقب "لا تُحمد عقباها" إذا لم يتم إطلاق سراحه. وقد تزامنت هذه التهديدات مع دعوات لوقفة احتجاجية أمام السفارة المصرية في بورتسودان، والتي تم إلغاؤها بعد بيان المصباح في صفحته على فيسبوك بالإفراج عنه ، مما يلقي الضوء على طبيعة "دبلوماسية الضغط" التي يتبعها الفيلق.
لكن التهديدات لم تقتصر على الجانب المصري فحسب، بل امتدت لتطال أطرافًا داخل الحكومة السودانية. اتهم قياديون إسلاميون جهات في المجلس السيادي، تحديدًا مقربين من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بالتواطؤ في عملية الاعتقال. هذا الاتهام ليس مجرد خلاف بسيط، بل هو شرخ عميق يكشف أن التحالف بين الجيش والقوى الإسلامية ليس مطلقًا، بل هو مبني على مصالح يمكن أن تتغير أو تتعرض للاختبار في أي لحظة.
"حملة جائرة" وتهديد للاستقرار الإقليمي
في خضم هذا التوتر، برز صوت آخر يعكس انقسامًا داخليًا أعمق. فقد وصف السياسي السوداني مبارك الفاضل المهدي، في تصريحات علنية، الحملة التي شنها الإسلاميون بأنها "حملة جائرة" تمثل تهديدًا لاستقرار المنطقة بأسرها. هذه التصريحات لم تكن مجرد رأي فردي، بل كانت بمثابة إشارة إلى أن هناك تيارًا سياسيًا داخل السودان يرى في هذه الجماعات المسلحة خطرًا لا يقل عن خطر أي طرف آخر. إنها تؤكد أن الصراع السوداني ليس ثنائيًا فقط، بل هو شبكة معقدة من التجاذبات بين قوى عسكرية، وتيارات إسلامية، وسياسيين يبحثون عن دور في رسم مستقبل البلاد.
رسائل متبادلة ودبلوماسية التناقض
ما تكشفه قضية المصباح أبو زيد ليس فقط حقيقة اعتقاله أو إطلاق سراحه، بل هو أعمق من ذلك. فغياب التأكيد الرسمي، واعتماد رواية الإفراج على منشور فيسبوك، يمثلان بحد ذاتهما استراتيجية سياسية. فبعد الإفراج عنه، أصدر المصباح بيانًا شكر فيه السلطات المصرية على "حسن المعاملة"، وأوضح أن الاعتقال كان إجراءً طبيعيًا للتحقيق في "بلاغات كاذبة". وفي خطوة لافتة، شكر أيضًا رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، والفريق أول ياسر العطا، والفريق أول ميرغني إدريس، على متابعتهم الشخصية لقضية احتجازه، مما يشير إلى أن هذه المتابعة قد تكون قد لعبت دورًا مهمًا في حل الأزمة.
باختصار، أظهرت قضية المصباح أن الأزمة السودانية هي شبكة معقدة من التحالفات الهشة والولاءات المتضاربة، حيث لا يمكن الوثوق بالروايات المعلنة بسهولة. إنها قصة حيث تُصبح الأخبار المتناقضة نفسها جزءًا من الصراع، وحيث تُستخدم كل معلومة، مؤكدة أو مشكوك فيها، كأداة سياسية في معركة لا تزال مستمرة.