كمبالا-سودان سكوب

في عالم يضج بالأزمات والنزاعات، حيث تتلاشى الحدود وتتبعثر الشعوب، تبرز مبادرات إنسانية كمنارات للأمل. 

على مدى 4 أيام في الاسبوع الثالث من يونيو    اختتمت منظمة أطباء السودان للسلام والتنمية أيامها العلاجية المجانية في قلب أوغندا، مقدمةً بصيصاً من الرعاية الطبية لمن تقطعت بهم السبل في معسكر (كرياندونجو) للاجئين السودانيين والمستشفى الباكستاني في كمبالا. لم تكن هذه مجرد حملة طبية عادية، بل كانت شهادة على مرونة الروح البشرية، والتزاماً لا يتزعزع بالشفاء، وتذكيراً مؤثراً بالاحتياجات الهائلة التي يواجهها اللاجئون في جميع أنحاء العالم.

لقد قامت المنظمة وشركائها، خلال هذه الأيام القليلة ، بفحص وعلاج ما يقرب من 2000 مريض يعانون من حالات مستعصية، مقدمةً الفحوصات اللازمة والأدوية المنقذة للحياة. ما يميز هذه المبادرة ليس فقط حجم الخدمات المقدمة، بل عمقها وتنوعها. فقد شملت العيادات مجموعة واسعة من التخصصات، من حساسية الأطفال وطب العظام والباطنية، إلى أمراض السكري والأذن والأنف والحنجرة والمسالك البولية، وحتى عيادة الأسنان التي أُدرجت للمرة الأولى. هذه الإضافة الأخيرة، على وجه الخصوص، تمثل نقلة نوعية، فقد كانت خدمة طب الأسنان، بأسعارها المرتفعة، حلماً بعيد المنال للعديد من السودانيين في أوغندا.

ولم تقتصر الجهود على العلاج فحسب؛ فقد صاحب الأيام العلاجية محاضرات توعوية حول التغذية الصحية، صحة الأسنان، وسلامة الجسم، إلى جانب التركيز على رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. ولإضفاء لمسة من الإنسانية على هذه المبادرة، خُصصت مساحات للألعاب والرسم للأطفال، في محاولة للتخفيف من قسوة واقعهم.

التفاعل المجتمعي مع هذه الخدمات كان إيجابياً بشكل كبير، حيث أشاد المستفيدون بجودة الرعاية وكفاءة الأطباء والفريق. هذه الإشادة، كما نقلت  ل "سودان سكوب"، كانت شبه إجماع بين من تم التحدث إليهم، مما يعكس الأثر المباشر والعميق لهذه الجهود. ومع ذلك، لم تخلُ الملاحظات من بعض التحديات التي تشير إلى الحاجة الماسة لمزيد من الدعم. أشار البعض إلى قصر مدة الأيام العلاجية، وهو ما يبرز حجم الاحتياج الذي لا يمكن تغطيته في غضون أيام قليلة. كما أعرب آخرون في كمبالا عن الصعوبات التي واجهوها في الوصول إلى العيادة بسبب المسافات الطويلة، مطالبين بتوسيع نطاق هذه المبادرات لتشمل مناطق أخرى ذات كثافة سكانية سودانية عالية. ولعل أبرز المطالب كان الحاجة الماسة لإضافة تخصصات أخرى، وفي مقدمتها عيادة العيون، التي تشكل هاجساً كبيراً للهاربين من ويلات الحرب.

ولكن ربما كانت اللفتة الأكثر تأثيراً في هذه المبادرة هي استقبال العيادة لبعض المواطنين الأوغنديين الذين تواجدوا في المستشفى الباكستاني بحثاً عن العلاج. هذه الخطوة ليست مجرد بادرة إنسانية، بل هي رسالة قوية تعكس التضامن وتؤكد أن الرعاية الصحية لا تعرف حدوداً. إنها لفتة تُحسب للمنظمة وشركائها في تقديم العلاج لكل محتاج، خصوصاً لشعب أوغندا الذي استقبل اللاجئين السودانيين بحفاوة واحتضنهم في أوقات الشدة.

إن ما قامت به منظمة أطباء السودان للسلام والتنمية يتجاوز مجرد تقديم الخدمات الطبية. إنه يمثل نموذجاً مصغراً لما يمكن أن تحققه المبادرات الإنسانية المنظمة والملتزمة في ظل الظروف الصعبة. هذه الجهود لا تعالج الأمراض الجسدية فحسب، بل تساهم في شفاء الجروح الخفية للنزوح والحرب. ومع ذلك، فإن المطالب المتزايدة وقصر المدة المخصصة لهذه الحملات تسلط الضوء على فجوة هائلة في الرعاية الصحية للاجئين.

على صانعي السياسات والمجتمع الدولي أن ينظروا إلى هذه المحدودية كدعوة للعمل. فالمشكلة لا تكمن فقط في توفير العلاج، بل في بناء أنظمة مستدامة للرعاية الصحية يمكن أن تخدم هذه المجتمعات الضعيفة على المدى الطويل. إن الاستثمار في هذه المبادرات ليس مجرد عمل خيري، بل هو استثمار في الاستقرار الإقليمي والأمن الإنساني. فكما أظهرت هذه الأيام العلاجية، الأمل والشفاء يمكن أن يزدهرا حتى في أكثر الظروف قتامة، إذا كانت الإرادة موجودة.