د. عزة مصطفى
باختلاف المواقع التى نحددها لذاتنا من المؤكد اننا نٌحدد بها "المسافات/العلاقات" من الأخر المُختلف، وكذلك "المسافات/العلاقات" التى يحددها الأخر المختلف تُحدد شكل التواصل والقبول، اذا المسألة تبادلية٬ والسؤال يكون حول كيف ترى الآخر وكيف يراك الآخر؟، من الذي يملك تحديد "صفوية/نقاء العرق، الدين، الثقافة واللغة"؟ اعتماداً على نظرتنا لذاتنا ونظرة الآخر لذاته؟
اعتمادا على الجزئية أعلاه، يكون محور السؤال إن لم أكن معك في نفس الجانب، وأعني "القبيلة، المنطقة، القرابة"، يعني ذلك أنني لم أحظ بكامل الأهلية لأنال شرف الانتماء "نقاء الدين، الدم والعرق"؟. دائما ما أفكر حول الطرائق التى يفكر بها من يدعون أنهم أصحاب نقاء وامتياز شامل متكامل، صحيح ندرك أن البيئة الاجتماعية، الاقتصادية وكذلك السياسية هي التى شكلت هذا التكوين النمطي للآخر في الذهن، ولكن الإعفاء من صفة الخمول العقلي لايمكن السماح بها في هذه الحالة، نحمل مايقرب"1.4" كيلوجرام، لم نحاول استفزاز هذه الكتلة في ان تفكر خارج صندوق الموروث وتبعات النشأة. ما يجعلني انظر للآخر المختلف بأنه اقل درجة فقط لاني ولدت في بيئة وظروف تختلف عنه، ليس بأمر يجعلني مميزاً أو أحمل أفضلية، اعمال العقل ضروري في كيفية إيجاد" خواريزمات" تساعد في إيجاد مناطق وسط للتفكير والنقاش حول قضية الكراهية غير المسببة.
تعلمون أكثر ان هناك ظروف معقدة ومتشابكة كانت نتيجتها التنميط الحالي للآخر في السودان، ولكن مايدعو للتفاؤل على الرغم من أن خطاب الكراهية اصبح الأن اداة من ادوات الحرب الحالية، إلا أن هناك أصوات رافضة ومنادية بمناهضة هذا الخطاب لتحقيق سلام مستدام، على نفس القدر عندما ننادي بايقاف الحرب وتوقيع هدنة للسلام، هناك مناداة بضرورة إيقاف الخطاب المزكي للكره والفجوات الاجتماعية، الثقافية والسياسية المترتبة عليه.
تناولت كثير من الكتابات موضوع الهُوية في السودان وتشابكاته الكثيرة، لا نريد أن نخوض فيها لانها موجودة ومتوفرة على كثير من المواقع، ما يعنينا هنا زيادة ورفع أصوات أجراس وقف خطاب الكراهية بيننا لانه كان على مدي سنوات كثيرة عبئاً على الالتحام الأجتماعي في السودان وأدي إلى زيادة الغبائن في أمر كان حله في أيدينا كمجتمع ابتداءً وانتهاءً بمؤسسات الدولة.
إن مواجهة خطاب الكراهية لا يكون بالحد من تحليله وتفسيره ونقده وهو دون شك فعلاً مهماً، بل بزيادة الوعي بالحق السياسي والاجتماعي والثقافي لمجتمعات خُلقت لتكون مُختلفة. نحتاج لصياغة خطاب سوداني مليئ بالقيم الإنسانية، والمحبة في سودان يمكن ان يسع الجميع، نحتاج أن نرفع أصواتنا باننا "مواطنون/ات سوادانيين/ات" لنا حقوق وعلينا واجبات. وذلك يكون على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، يجب ان نكون متصالحين مع ذواتنا أولا وان نأخذ نبذ خطاب الكراهية ونبذ المعايير التصنيفية للاخر بجدية وبمثابة مبدأ إنساني لاهوادة فيه، بالتوعية على النطاق الضيق في الأسرة، انتقالا للمجتمع الصغير المحيط ومن ثم إلى جميع المجموعات المُشكلة للمجتمع الكبير. نحتاج أن نخرج بمناهضة خطاب الكراهية من الدوائر "المثقفة والمتعلمة" إلى الدوائر الأرحب التى ترى وتمارس فعل الكراهية، خاصة هذه الأيام٬ بالكتابة، الأغاني، ومؤكد بعد انتهاء الحرب وتحقيق السلام يصبح جرماً يحاسب عليه القانون.
قال أرسطو " الكراهية هي الرغبة في إبادة الكائن المكروه"٬ هل فعلا يمكن لمناصري الكراهية واستشرائها في المجتمع السوداني أن يكون هم من وصفهم أرسطو، بانهم يريدون إبادة الأخر المختلف، دون التفكير في ما يترتب على هذه الإبادة، كيف، ومتى، وماذا بعد الابادة، أتساءل عن التبعات ومن أين لهم هذا الاستحقاق؟!