د. مصعب الطيب: يجب اتباع نهج متعدد الجوانب للتخفيف من الأثر النفسي للحرب على الأطفال
طويلة / دبلن-سودان سكوب
هروبا من قذائف تنهمر على رؤوسهم في حرب لا يدرون سبب اشتعالها ولا متى تتوقف، خرجوا فقط يحملون أرواحهم بين جنبيهم، وأطفالهم بين أيديهم والبعض الاخر يجري خلفهم محاولا التشبث بهم من هذه الأهوال، تساقط الكثيرون صرعى بفعل الرصاص، واخرين أنهكهم المرض في ظل انعدام العلاج، تعددت الوجهات أمام الهاربين من الجحيم، في البداية لجأ البعض إلى معسكر زمزم قبل أن يفر هاربا مرة أخرى بعد أن لحقت بهم حمم القذائف ، الكثيرون توجهوا نحو معسكر خزان جديد بشرق دارفور، اخرون كان وجهتهم منطقة كورما، والغالبية سلكت الطريق إلى محلية طويلة التي اكتظت بالنازحين.
لم يكن طريق النزوح ممهدا أمام الفارين من جحيم الحرب، فالبعض قتل برصاص القناصة قبل وصولهم للمحطة النهائية، تعرضت النساء للاغتصاب، مات الأطفال من العطش، ونجا البعض ليستقر في مكان يفتقر إلى الحد الأدنى للحياة.
بحسب إحصائيات المنظمات المختصة بشؤون النازحين فقد غادر الفاشر مئات الالاف من السكان، استقبلت محلية طويلة عشرات الالاف ولا زالت تستقبل النازحين يوميا في ظل انعدام المشمعات للسكن وضعف العلاج وحتى الأكل والمياه لا تتوفر بما يقي الانسان شر الموت جوعا، ويعتمد الجميع على مساعدات من منظمات دولية ومحلية تحاول كل ما في وسعها لتحافظ على حياة هؤلاء الأبرياء الذين أخرجتهم الحرب من ديارهم.
في ظل هذه المأساة توجد مآسي متعددة، فحياة النساء داخل معسكرات النزوح قطعة من الجحيم، إذ يتوجب عليهم رعاية أطفال بلا مال أو مأوى أو علاج، لكن المأساة الأكبر تتمثل في الأطفال الايتام الذين اختطفت الحرب أماتهم وأباءهم، ووجدوا أنفسهم فجأة في معسكر للنزوح بلا عين تسهر لرعايتهم ولا قلب يحنو عليهم، فهم في داخل هذه المأساة يعيشون في القاع.
وجهت "سودان سكوب" سؤالا عن أوضاع الأطفال فاقدي الوالدين إلى عضو لجنة المعسكر الأستاذ محترم عبد الله، والذي ابتدر حديثه بأن هؤلاء الصغار في أشد الحاجة لكل أنواع الرعاية الصحية والغذائية والتعليمية، مشيراً إلى أن معظمهم يعاني من إصابات جسدية وأمراض، بجانب الوضع النفسي المتأزم بسبب ما تعرضوا له وفقدانهم لأسرهم.
وشدد على أهمية توفير ناموسيات واقية لهؤلاء الأطفال تحديداً لأن أجسادهم لا تحتمل الملاريا التي تنتشر في المعسكر بشكل كبير بسبب كثافة البعوض.
وفي ذات السياق مضى محمد ادم خاطر النازح من معسكر زمزم إلي طويلة قائلاً إن الشريحة الأكثر ضعفا هم هؤلاء الأطفال الذي يقارب عددهم " ٥٠٠" طفل فقدوا أسرهم بسبب الحرب، وأضاف في حديثه لـ"سودان سكوب" إن هؤلاء الأطفال في حاجة لسكن يأويهم، لذا نحن في حاجة لمشمعات وناموسيات بالإضافة إلى توفير العلاجات.
وطالبت منار عبد الله الجهات المعنية بتوفير الأدوية للأطفال لأن ظهور مرض الكوليرا يعرض حياتهم للخطر، ونوهت إلى ضرورة إيجاد فرص لتعليم الأطفال بعد توقف المدارس بسبب الحرب.
وحملت "سودان سكوب" ملف الأطفال فاقدي الوالدين إلى مسؤولة بمنظمة تعمل داخل معسكر طويلة، والتي أفادت أن المنظمات بالتعاون مع قيادات مجتمع النازحين تصنف القادمين الجدد، وفي حال وجود أطفال "بدون أسرة" هناك إجراءات محددة للتعامل معهم، بحيث يتم إدماجهم بأسر توافق على رعايتهم، وتتولى المنظمات توفير احتياجاتهم الأساسية، وتتابع علاجهم، ومن ثم يجري البحث عن أسرهم بالتعاون مع كل الجهات التي يمكن أن توفر معلومة عن مصير الوالدين، وضمن برامج الرعاية تعقد المنظمات جلسات دعم نفسي للأطفال.
وأضافت في الأساس المنظمات لديها برامج دعم مصممة للأطفال القادمين من مناطق النزاع، وذلك لمحاولة علاج الآثار النفسية التي تسببها الحرب بالنسبة للصغار، كما أن هناك برامج أخرى وفعاليات تنظم لدمج ورعاية الأطفال ذوو التوحد.
وضعت " سودان سكوب" هذه القضية أمام الدكتور مصعب الطيب الأخصائي النفسي بالمملكة المتحدة، والذي أشار لضرورة اتباع نهج متعدد الجوانب للتخفيف من الأثر النفسي للحرب على الأطفال بحيث يشمل توفير السلامة والأمن، وتعزيز الدعم الاجتماعي، وخدمات الصحة النفسية، وتلبية الاحتياجات الخاصة للأطفال المتضررين من النزاع.
وأضاف أن الأطفال يحتاجون إلى الحماية من المزيد من الأذى والعنف ويشمل ذلك توفير أماكن آمنة، وتوفير الاحتياجات الأساسية كالغذاء والماء والمأوى، ومنع التجنيد، وأشار إلى إن خلق شعور بالأمن أمر بالغ الأهمية بحيث يتم تطمين الأطفال بأنهم آمنون وأن الأحداث التي يمرون بها قد لا تشكل تهديدًا مباشرًا لهم أو لعائلاتهم، وشدد على أهمية استعادة الروتين، مثل الحضور المدرسي والأنشطة المألوفة، والتي يمكن أن تساعد الأطفال على الشعور بالوضع الطبيعي والسيطرة.
وأشار الخبير النفسي إلى أهمية خلق مساحات المُخصصة للأطفال للترفيه، وتسهيل فرص الأطفال للتواصل مع آخرين عانوا من صدمات مماثلة، مما يسمح لهم بمشاركة تجاربهم وإدراك أن ردود أفعالهم طبيعية.
وشدد على ضرورة توفير الوصول إلى مُختصي الصحة النفسية المؤهلين الذين يُمكنهم تقديم الدعم والتدخلات المُتخصصة، بما في ذلك العلاج المُركز على الصدمات
وقال "ينبغي أن تكون التدخلات مُراعيةً للصدمات، مع مراعاة تأثيرها على نمو الأطفال وسلوكهم"، مشيراً إلى أهمية العمل على حل المشكلات الخاصة بالأطفال المتأثرين بالنزاع، مثل النزوح، وفقدان الأحباء.
واختتم حديثه بالقول "من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات، يُمكننا العمل على تقليل الأثر النفسي للحرب على الأطفال ودعم تعافيهم ورفاههم".
