تقرير-سودان سكوب

تذكرنا أزمة اللاجئين العالمية المتفاقمة، والتي تتجلى بشكل صارخ في السودان، بحقيقة قاسية: غالبًا ما تتصادم مُثلنا العليا الإنسانية مع الحقائق المالية.
تكشف التقارير الأخيرة الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) عن أزمة وشيكة. تخفيضات الميزانية الشديدة، بقيمة 1.4 مليار دولار من البرامج التي تم تعليقها أو إغلاقها عالميًا، تعني أن المساعدة المنقذة للحياة للاجئين، وخاصة أولئك الفارين من الفظائع في السودان، مهددة بالانهيار.

إن ما يحدث على الأرض في مناطق مثل الحدود بين السودان وتشاد أمر مروع. "لا يمكننا إيقاف المياه، ولا يمكنك إيقاف الصرف الصحي، ولكننا مضطرون لاتخاذ قرارات عندما يتعلق الأمر، على سبيل المثال، بالمأوى،" هكذا أوضحت دومينيك هايد، مدير العلاقات الخارجية في المفوضية. هذه الكلمات ليست مجرد بيان واقعي؛ إنها اعتراف مؤلم بالقرارات المستحيلة التي تُجبر المنظمات الإنسانية على اتخاذها عندما يتضاءل الدعم. إن فكرة أن ستة من كل عشرة لاجئين فارين من الصراع في السودان يُتركون دون مأوى أساسي تتجاوز مجرد الإحصائيات لتصبح فشلاً أخلاقيًا جماعيًا.

ولا يقتصر التهديد على نقص المأوى، بل يمتد إلى خطر مجاعة متصاعد ينذر بكارثة إنسانية. فمع استمرار الحرب واتساع رقعتها، بات خطر المجاعة في السودان وشيكًا بشكل غير مسبوق، خاصة في ولايات دارفور وكردفان والنيل الأبيض. التقارير الميدانية تشير إلى تدهور الأمن الغذائي إلى مستويات حرجة، حيث يُتوقع أن يواجه أكثر من 18 مليون شخص نقصًا حادًا في الغذاء بحلول نهاية العام إذا استمر الصراع. وتضاعف هذا التهديد مع غياب الدعم الحيوي من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي كانت من أكبر المانحين للبرامج الغذائية في السودان، وعدم تنفيذ الدول المانحة لتعهداتها السابقة.

لقد بدأ الجوع بالفعل في الترسخ في معسكرات اللاجئين. منذ أكتوبر 2023م، توفي العشرات في معسكرات اللجوء بشرق تشاد نتيجة سوء التغذية الحاد ونقص الخدمات الصحية والمياه النقية. هذه الوفيات المبكرة دليل مرير على أن الأزمة لا تنتظر اكتمال التحذيرات الرسمية؛ إنها قائمة وتنهش أجساد الضعفاء يوميًا. إن النقص في التمويل ليس مجرد قضية تتعلق بالراحة؛ إنه يؤثر بشكل مباشر على الحماية والكرامة. يُمنع آلاف الأشخاص الضعفاء في المواقع الحدودية النائية في جنوب السودان من الانتقال إلى مستوطنات آمنة. والأسوأ من ذلك، أن الخدمات الأساسية مثل تسجيل اللاجئين وحماية الأطفال والاستشارات القانونية والوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة له تتعرض لضربات مدمرة. هذه ليست "خدمات إضافية"؛ إنها ركائز الحماية الدولية.

النداء العاجل الذي أطلقته السيدة "دومينيك هايد" للحصول على "تمويل مرن من الجهات المانحة" هو نداء صريح لإنقاذ ما يصل إلى 11.6 مليون لاجئ وغيرهم معرضين لخطر فقدان الوصول إلى المساعدة الإنسانية المباشرة هذا العام. هذا العدد يمثل حوالي ثلث الذين تلقوا المساعدة من المفوضية العام الماضي. إنه يشير إلى اتجاه مقلق حيث يجد العالم صعوبة متزايدة في تحمل عبء الأزمات الإنسانية التي يتسبب فيها.

إن الأزمة التي تواجه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي انعكاس لعالم يتراجع عن مسؤولياته المشتركة. بينما نتأمل في التقارير الصادمة عن الأشخاص الفارين من ويلات الحرب، يجب أن نسأل أنفسنا: هل هذا هو العالم الذي نريد أن نعيش فيه، عالم يغلق فيه الأبواب في وجه أولئك الذين فقدوا كل شيء؟ يجب أن تكون الإجابة "لا" مدوية، مصحوبة بالتزام متجدد بدعم المنظمات التي تقف بين اليأس المطلق وبارقة أمل، وبين الجوع والموت.