القاهرة-سودان سكوب
تبرز أهمية الفن كقوة ناعمة قادرة على تجاوز الحواجز وتوحيد النفوس. فالفن، بلغة عالمية تتخطى الكلمات، يصبح أداة فعالة للتفاهم بين الشعوب، وبناء جسور الحوار التي تعزز قيم التسامح والانفتاح. إنه مساحة مشتركة لتبادل الخبرات والرؤى، تمنحنا نافذة لفهم التجارب الإنسانية المختلفة من منظور عميق ومرئي.
الفن التشكيلي السوداني.. توثيق لذاكرة الأمة
بحسب حوار متعمق مع عدد من التشكليات حول دور الفن التشكيلي فإن هذا المجال من الفنون ليس مجرد وسيلة للجمال، بل كان مساهمًا أساسيًا في ترسيخ وعي السودانيين بهويتهم. وقد أستلهم الفنانون السودانيون من كنوز التراث والحضارات القديمة مثل كوش ومروي والحضارة النوبية، بالإضافة إلى الموروث الشعبي الغني، ليحوّلوا الألوان والرموز إلى رسائل بصرية تجسد ملامح الشخصية السودانية وتغرس شعور الفخر والانتماء.
وكانت الاضافة من ذات المبدعات أنه منذ إنشاء معهد الكليات، برز رواد الفن الحديث مثل إبراهيم الصلحي وكمالا إسحاق، الذين قادوا حركة فنية عكست التنوع الثقافي والتراثي الغني للسودان، واصبح الفن التشكيلي يمثل سجلًا بصريًا يوثق تنوع القبائل والملامح المميزة للهوية، ويحارب محاولات طمسها.
وفي حوارنا مع مؤسسات جمعية التشكيليات التنوع في السودان ذكرن ان التنوع الإثني والثقافي في السودان يُعد مصدر إلهام لا ينضب للفنانين. وقد انعكس هذا التنوع في أعمالهم من خلال توظيف الزخارف التقليدية، والموروثات الشعبية، والملامح الإنسانية للمجموعات السكانية المختلفة. فمن أعمال السعف في الغرب، إلى النقوش النوبية في الشمال، وتصاميم الحلي في الشرق، تشكلت لوحة فنية فريدة تعكس وحدة النسيج السوداني رغم تعدد مكوناته.
جمعية التشكيليات السودانيات.. عودة من أجل الوطن
على الرغم من مرور أكثر من عقدين على تأسيسها، لا يزال سؤال "لماذا التشكيليات؟" قائمًا، لذا تأسست الجمعية بهدف إظهار دور التشكيليات السودانيات وتشجيعهن، وخلق مساحة حرة وداعمة ليعبرن عن رؤيتهن في مجتمع قد يواجه فيه الإبداع النسوي تحديات خاصة.
وتتميز التشكيليات بقدرتهن على توظيف التجربة الشخصية والحساسية المرهفة في أعمالهن، مما يضفي أبعادًا إنسانية وعاطفية عميقة على المشهد الفني. وقد لعبت الجمعية دورًا تنظيميًا مهمًا في حماية حقوقهن وتطوير مهاراتهن من خلال الورش والمعارض، لتصبح بذلك منصة فنية ونقابية في آن واحد.
توقف نشاط الجمعية لسنوات بسبب تحديات مالية وظروف عامة مر بها السودان، لكن روح العمل الجماعي ظلت قائمة بين أعضائها. ومع عودة النشاط مؤخرًا، برز دور جديد للجمعية في تخفيف آثار الحرب على النسيج الوطني، عبر استخدام الفن كأداة للحوار والتقارب، وإنتاج أعمال فنية تدعو للتسامح والتعايش.
الفن في زمن الحرب.. حفظ لذاكرة الأمة وصوت للمقاومة
في ظل الحروب، يكتسب الفن التشكيلي دورًا محوريًا في حفظ التراث المادي وغير المادي المهدد بالاندثار. فالفنان يصبح مؤرخًا بصريًا يوثق المعالم الأثرية، والعادات الشعبية، والأزياء، والحرف اليدوية، ويحمي الذاكرة الجمعية من التلاشي. وتعمل جمعية التشكيليات السودانيات، حتى في ظل الشتات، على توثيق وحماية هذا التراث عبر وسائل التواصل الاجتماعي والعمل المشترك، وتنظيم المعارض والفعاليات الثقافية داخل وخارج السودان. وهذا السعي الحثيث هو محاولة لضمان استمرارية التراث وحمايته من النسيان.
وإذا كان السلاح هو لغة الحرب، فإن الفن قادر على محاربتها بلغة أخرى. فالفن ليس ترفًا في زمن النزاعات، بل هو وسيلة للمقاومة الثقافية، وبناء جسور التفاهم، وإعادة بناء النسيج الاجتماعي.
الفن هو صوت الأمل الذي يحوّل الألم إلى رسائل قوة، ويذكرنا بأن السلام هو المصير المشترك الذي نسعى إليه جميعًا.