الكباشي أحمد عبدالوهاب
في تطور دبلوماسي لافت، أعلن مستشار الرئيس الامريكي للشؤون الأفريقية "مسعد بولس" عن انضمام قطر والمملكة المتحدة رسميا إلى الرباعية المعنية بملف السودان. وتأتي هذه التوسعة للجنة الدولية في لحظة حرجة تمر بها الحرب السودانية التي تقترب من عامها الثالث، وسط فشل كل الجهود السابقة في وقف نزيف الدم وإطلاق عملية سياسية ذات مصداقية.
هذا التوسع ليس مجرد زيادة عدد الفاعلين الدوليين فحسب، بل يحمل دلالات سياسية تتقاطع مع موازين القوى في الإقليم والدور الدولي في حلحلة الأزمة السودانية. وقد أشار المسؤول الأمريكي أيضا إلى امكانية انضمام عدة دول أخرى، لم يسمها، في لقاء خاص مع قناة الجزيرة، مما يشي بعزم واشنطن على تكثيف الضغط الدولي على أطراف الصراع، للجلوس إلى طاولة التفاوض بجدية للوصول إلى حل سلمي، وأكد في ذات اللقاء، أنه لا يوجد حل عسكري للصراع في السودان، وأنه قد آن الأوان للإنخراط في الجهود المفضية إلى الحل السلمي.
بانضمام الدوحة ولندن إلى الرباعية، لتصبح "الرباعية +"، يدخل على الخط طرفان لهما تقاطعات مختلفة مع الأطراف السودانية، وتحتفظ قطربعلاقات مرنة وجيدة مع القوى المدنية، حيث استضافت الدوحة، بدعوة رسمية، وفدا من قوى إعلان الحرية والتغيير في ستبمبر من العام 2023، والتقى الوفد خلال تلك الزيارة، برئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي أكد موقف بلاده الداعم للحل السلمي للحرب في السودان، وقد تم تأكيد ذلك الموقف من خلال خطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة لنفس العام، وقد أشار سمو الأمير لموقف بلاده الداعم للحل السلمي، وقضية انهاء تعدد الجيوش لصالح جيش مهني واحد، وأن الجيش ليس من مهامه الحكم وإنما ترتكز مهامه فقط على حفظ الأمن والدفاع، بينما تمثل بريطانيا امتدادا لاهتمام أوروبي أكثر انفتاحا على قضايا العدالة الانتقالية والحوكمة، من خلال الحكم المدني الديمقراطي. وقد يُقرأ انضمام لندن والدوحة كإشارة ضغط غير مباشرة على القوى الإقليمية التي تتهم بأنها تلعب أدوارا تغذي الصراع المسلح، بضرورة التجاوب مع مسار السلام.
ولابد هنا، من الاشارة للمعرفة المعمقة للطرفين الجديدين، بديناميكيات النفوذ الداخلية في السودان، وخبرتهم السابقة في التعامل مع الطرف المعيق لكل محاولات الحلول السابقة، مما يقلل من فاعلية محاولات الإعاقة التي يمكن تحدث للمسار القادم بدعم دولي واقليمي كبير، لم يكن متوفرا بنفس القدر في المحاولات السابقة.
وفي سياق متصل، هنالك اجتماع مهم للرباعية في واشنطن بنهاية يوليو الجاري، يتوقع أن يتم من خلاله الإعلان عن أول ملامح جديدة لمعالجة الأزمة السودانية منذ انهيار اتفاق المنامة ومنبر جنيف، ويمكن أن تشمل موجهات الاجتماع اعادة تقييم للمسارات السابقة لصالح مقاربة شاملة تبدأ بوقف العدائيات مع وضع أسس لعملية سياسية لا تنحصر في التسويات العسكرية. وكذلك تعزيز الحضور المدني في المشهد الدبلوماسي، وهو ما تدفع باتجاهه الدوحة ولندن بقوة.
ومن المتوقع أن يتمخض اجتماع واشنطن، عن طرح اطار "خارطة طريق موحدة" أهم بنودها، انشاء فريق متابعة دولي يكون له وجود مستمر في المنطقة، وربما لاحقا السودان (بعد توقف الحرب) لرصد التنفيذ، وطرح صيغة "عقوبات مشروطة" لأول مرة عبر الرباعية على معرقلي السلام ومرتكبي الفظائع، بدفع من لندن وواشنطن. ومن غير المستبعد استكشاف دور المحاكم الدولية ودعم الجهود الدولية للعدالة الانتقالية.
وعلى صعيد اللجنة الرباعية نفسها، فقد تبدلت أولويات الطرف الأقوى فيها – الولايات المتحدة - بشكل غير مسبوق بعد اعادة انتخاب الرئيس دونالد ترمب، فلم تعد الأجندا السياسية للتفاعل الخارجي داعمة لتحولات سياسية تنحو في اتجاه النظم الديمقراطية ورعاية حقوق الإنسان وتعزيز مؤسسات العدالة الدولية، وأصبح الموجه الأساسي لعلاقات واشنطن الخارجية يقوم على المصالح الامريكية المادية المباشرة، بالدرجة الأولى، ومن ثم مصالح الحلفاء في الملفات التي لا يوجد لها تأثير مباشر على الأمن القومي الأمريكي في السياق الداخلي لهذه الملفات، مثل الملف السوداني، وهنا يبرز تحدي كبير أمام القوى المدنية الديمقراطية السودانية يتمثل في اعادة تشكيل استراتيجية تواصل جديدة تخاطب المستجدات والمتغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الأمريكية، حتى تحافظ على مستوى من المرونة، يمكنها من المناورة ويدفع بعلاقاتها مع واشنطن إلى الأمام، ويجعل امكانية تطويرها في المستقبل بما يفيد هذه القوى، خصوصا في مرحلة العملية السياسية التالية لوقف الحرب والتحول إلى ادارة الدولة على أساس التوافق السياسي العريض الذي قد ينتج عن مرحلة ما بعد الحرب، ويكون أساس المرحلة الانتقالية المقبلة.
وتحتفظ القوى المدنية بقنوات تواصل مفتوحة مع بقية الفاعلين الإقليميين في الرباعية الدولية، يمكنها من خلال هذه القنوات ترجيح كفة الحلول المستدامة للأزمة في بعدها الخارجي، ويتطلب ذلك توازنات دقيقة، وتقييم أمين لمكامن الضعف في حلقات التواصل، وضرورة التنبه لمعالجتها وتحويلها إلى نقاط قوة، والتأسيس لمستقبل تفاعل ايجابي يحفظ المصالح المتبادلة ويخاطب المخاوف بجدية وتصورات مقنعة ومرضية لهذه الأطراف، مع ضرورة ربط هذه المصالح بسودان آمن ومستقر، من خلال حكم مدني ديمقراطي تمثل فيه الإرادة الحقيقية للشعوب السودانية المتنوعة.
من المهم أيضا أن تدفع القوى المدنية في اتجاه تنسيق جهود الرباعية مع المنظمات الإقليمية في المحيط ، مثل الاتحاد الافريقي والايقاد، والسعي في أعقاب ذلك لترميم الشروخات التي أحدثتها الحرب في العلاقات الثنائية مع بعض دول الجوار.
هذه التحركات تمثل أول محاولة حقيقية وفرصة كبيرة، لكسر الجمود وإعادة إحياء المسار السياسي، مثلما أنها تنطوي على تحديات ليست سهلة، وإذا نجحت في تثبيت وقف القتال، وتمهيد الأرضية لعملية سياسية ذات ملكية سودانية، فقد تفتح نافذة أمل جديدة أمام السودان الذي يحترق في صمت، لأكثر من عامين.