الأستاذة سامية الهاشمي، محامية بارزة ومدافعة دولية عن حقوق المرأة، وشخصية محورية في المشهد الحقوقي والسياسي السوداني منذ عام 1990، تمتد خبرتها لتشمل دولًا في إفريقيا والشرق الأوسط بصفتها المؤسسة المشاركة ورئيسة منظمة "متعاونات"، تقدم الأستاذة سامية الدعم القانوني للنساء والفئات الأكثر ضعفًا، مثل اللاجئات والنازحات، وتعمل على تمكينهم من الوصول إلى العدالة.
على مدى ثلاثة عقود، كرّست الأستاذة سامية جهودها لدعم وبناء السلام، حيث كانت من الرائدات في مشاركة المرأة السودانية في عمليات السلام، بدءًا من "خيمة السلام" في مؤتمر بكين عام 1995. وتواصل دورها الفعال اليوم كخبيرة في حقوق الإنسان للمرأة والقانون الدستوري، مساهمةً في تنفيذ قرار مجلس الأمن 1325 وتعزيز المشاركة السياسية للمرأة، وقد تُوّجت جهودها في عام 2024 بحصولها على جائزة "فرانكو جيرمان لحقوق الإنسان وسيادة حكم القانون".
في حوارنا هذا، نسلط الضوء على رؤيتها للتحديات التي تواجه المرأة السودانية في ظل الحرب، ودور الحراك النسائي في رسم مستقبل السلام في السودان.
بداية سألنا الأستاذة سامية الهاشمي عن أبرز التحديات التي واجهت السودانيات في الحرب، فابتدرت الإجابة بقولها إن النساء في السودان واجهن تحديات كبيرة قبل اندلاع الحرب، بدءًا من عدم تحقيق طموحاتهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المدن والأرياف ومعسكرات النزوح، كان الوضع غير مستقر بسبب الصراعات الداخلية والأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية، شاركت النساء بقوة وبوعي في ثورة ديسمبر 2018، وظهر استخدام للقب "الكنداكات" كرمز لريادتهن في التغيير، مما أثار آمالًا كبيرة في مستقبل أفضل. لكن هذا الحلم اصطدم بالواقع بعد فض الاعتصام، ثم صعوبات الفترة الانتقالية، التي لم تنعكس فيها مشاركة النساء القوية في الثورة على تمثيلهن السياسي".
وأضافت: "جاءت الحرب لتضاعف هذه التحديات بشكل غير مسبوق. أصبحت النساء ضحايا للعنف الجسدي والاقتصادي، وتحملن مسؤولية إعالة أسرهن وتوفير التعليم لأطفالهن بعد فقدان مصادر دخلهن، كما عانين من النزوح والتهجير القسري واللجوء وأصاب الاسر الشتات.
وشهدت المدن السودانية حالات نهب واسعة ففقدت النساء ممتلكاتهن ومدخراتهن، كما تعرضتن لجرائم العنف بكافة اشكاله وارتكبت في حقهن جرائم اغتصاب جماعية لم يسبق لها مثيل. ومع ذلك، أظهرت النساء مرونة وصموداً عاليين، تصدين وتولين اتخاذ القرارات الصعبة داخل الأسرة، وكنّ الرائدات في إيجاد حلول للتنقل وتوفير احتياجات الحياة اليومية. ولعبت النساء المقيمات في الخارج دوراً عظيماً حيث وقع عليهن عبء دعم أسرهن داخل السودان وفي دول المهاجر الأخرى".
الحراك النسائي والتعبير عن قضايا المرأة في هذه الحرب
وفي الإجابة على سؤال "سودان سكوب" حول نجاح الحراك النسائي في التعبير عن قضايا النساء في الحرب، أفادت الأستاذة الهاشمي أنه على الصعيد الاجتماعي، قادت النساء جهود النزوح والإيواء، سواء كربات أسر أو كأسر مضيفة في المدارس ومراكز الإيواء، نظّمن أنفسهن لتقسيم الأعمال، وأدرن "المطابخ المجتمعية".
وأوضحت: "ولم تكتفِ النساء بلعب دور المعيلات للأسر، بل تحركن بنجاح كبير في التعبير عن قضايا النساء، منذ اليوم الأول للحرب. ففي ظل الرعب، نظّمت النساء أنفسهن في مجموعات لرفض الحرب، رغم أن أحداً لم يكن يتوقع استمرارها لهذه الفترة الطويلة. كان رفضهن عفوياً مارسن فيه القيادة التشاركية باقتدار".
أما على الصعيد السياسي، فقالت الأستاذة سامية أن النساء تحرّكن بشكل فعال لوقف الحرب حيث زارت مجموعة من النساء مصر في يونيو 2023، والتقين بالأمين العام لجامعة الدول العربية، وقدمن له قائمة من المطالبات لوقف الحرب وتوجيه المنظمة العربية للزراعة التابعة للجامعة العربية لإنقاذ الموسم الزراعي، وهو ما حدث بالفعل.
ومع هذا الحراك الكبير، وعلى الرغم من وجود العديد من المنصات النسائية الإلكترونية والميدانية، فإن صوت الحراك لم يجد آذاناً صاغية من صناع القرار بشكل رأسي ومؤثر لذلك كان تأثيره محدوداً.
مشاركة المرأة السودانية في رسم مستقبل السودان
وعن مشاركة المرأة في رسم مستقبل السودان تقول الهاشمي أن المشاركة أمر أساسي، مضيفة أن الحراك النسائي أظهر قوة كبيرة، خاصة في مباحثات جنيف، حيث قدّمت النساء رؤى وحلولًا من خلال مسار "1.5"، الذي يجمع بين الدبلوماسية الرسمية والمدنية، حيث شاركت النساء في المباحثات، وقدّمن تصوراتهن وحلولهن التي تعكس التواصل المباشر مع النساء في مختلف المستويات. وشددت على استحالة بناء مستقبل مستدام للسودان دون مشاركة النساء، فقد أثبتت الدراسات أن اتفاقيات السلام التي تشمل النساء تكون أكثر نجاحًا واستدامة.
التشريعات التي يجب أن تتضمنها أي وثيقة دستورية قادمة
وقالت الخبيرة الحقوقية أنه يجب أن تتضمن أي وثيقة دستورية قادمة مبادئ أساسية تضمن حقوق المرأة، في ظل غياب جهة تشريعية. هذه المبادئ هي التي ستوجه جميع التشريعات المستقبلية. وأهمها:
مبدأ المساواة وعدم التمييز: يجب النص صراحة على المساواة بين الجنسين في كل مناحي الحياة، وهياكل الدولة، ومؤسساتها وكافة والمناصب الدولية التي تنص على حقوق المرأة جزءًا لا يتجزأ من الدستور.
وثيقة حقوق: ضرورة تضمين وثيقة حقوق أساسية تضمن العدالة والمساواة، لتصبح جزءًا من الدستور مباشرة دون الحاجة إلى تشريعات منفصلة.
قانون الأحوال الشخصية: يجب مراجعة قانون الأحوال الشخصية القائم، وتمرير القانون الذي أعدّته اللجنة خلال الفترة الانتقالية ليضمن حقوقًا عادلة للمرأة.
قانون مكافحة العنف ضد المرأة: يجب سن قانون خاص لمكافحة العنف ضد المرأة، نظرًا للآثار السلبية الكبيرة لهذا النوع من الجرائم.
الوصول إلى الموارد: يجب تسهيل وصول النساء إلى الموارد المالية، وعدم قصرهن على التمويل الأصغر، بل تشجيعهن على إدارة مشاريع ضخمة.
التشريعات التعاونية: تشجيع التشريعات التي تدعم التعاونيات النسائية، وتدريب النساء في الأرياف والمزارعات على ولوج الأسواق العالمية.
سن تشريعات خاصة: بحماية ودعم المرأة المزارعة والراعية ورفع كفاءتهن ووجوب تمثيلهن في الغرف التجارية وتشجيعهن للولوج لغرف التصدير والارتباط بالأسواق العالمية.
التعامل مع تعدد الجيوش
وبناء على خبرتها القانونية الواسعة وضعت "سودان سكوب" سؤالاً يؤرق كل السودانيين على طاولة الهاشمي، والتي أوضحت أن مسألة تعدد الجيوش والميليشيات المسلحة تشكل آفة هددت وما تزال تهدد وحدة السودان وسلامه، وقالت: "يجب أن تتضمن أي وثيقة دستورية أو اتفاقية سلام مبادئ تمنع تعدد الجيوش. لا يمكن لأي فصيل عسكري أن يمارس العمل السياسي مستخدما فوهة البندقية، لذلك ينبغي حل هذه الجيوش ودمج أفرادها في الجيش الوطني وفق عملية علمية مدروسة. يجب أن يكون هناك جيش واحد فقط بعقيدة وطنية واحدة، وهي الدفاع عن الوطن. كما أن العمل السياسي يجب أن يكون سلمياً ومدنياً".
العدالة الانتقالية أساساً لسلام مستدام
وبما أن غياب العدالة يمثل أكبر أزمات السودان فقد توجهنا بتساؤل حول إمكانية نجاح نظام العدالة الانتقالية في معالجة ظلامات ملايين الضحايا، وأجابت الأساتذة سامية أن العدالة الانتقالية هي الحل الأساسي لضمان سلام مستدام، موضحة أن العدالة الانتقالية هي مجموعة من الإجراءات القضائية وغير القضائية التي تُتخذ عند الانتقال من حكم دكتاتوري إلى ديمقراطي، أو من حالة حرب إلى سلام. وأفادت أن هناك مفهوماً مغلوطاً عند البعض بأن العدالة الانتقالية تعني العفو عن الجناة، لكنها تتضمن إجراءات قضائية وغير قضائية، الإجراءات القضائية هي المحاكمات التي يُطالب بها المتضررون أو أهالي الضحايا. أما الإجراءات غير القضائية فتشمل:-
الإصلاح المؤسسي: إصلاح كافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية لضمان عدم تكرار ما حدث.
الإصلاح التشريعي: سن تشريعات تضمن انتقالًا سليماً، وتشمل حقوق المرأة والعدالة.
الحفاظ على الذاكرة: إقامة مجسمات واحتفالات لتذكر ما حدث في الماضي، ليكون دافعاً لعدم تكراره.
التعويض: تعويض المتضررين ماديًا وأدبيًا، سواء كانوا سجناء سابقين أو أصحاب ممتلكات منهوبة.
وركزت على أهمية أن تتضمن العدالة الانتقالية منظورًا نسويًا، لضمان حقوق المرأة وعدم التعامل معها كضحية فقط، بل كشريك فعال في تحقيق العدالة، أما العفو، فهو جزء من الإجراءات القضائية ويتحكم فيه الضحايا، ولا يتم إلا بعد اعتراف الجناة بجرائمهم وتقديمهم اعتذاراً، و الالتزام بعدم تكرار ما ارتكبوه من جرم.
نقل تجارب العدالة الانتقالية الأخرى
وأوضحت الخبيرة القانونية أنه لا يُحبذ نقل تجارب العدالة الانتقالية من بلد لآخر بشكل مباشر(نقل مسطرة) لاختلاف الارضية و الخلفية الثقافية والمجتمعية من بلد لآخر، مع التأكيد على الاستفادة من التجارب الإنسانية والدروس والتحديات في كل تجربة، إلا أن كل دولة بحاجة إلى نموذج خاص بها يحترم ارثها الثقافي وظروفها الخاصة.
وأفادت بأهمية الأخذ في الاعتبار تطوّر مفاهيم العدالة الانتقالية المتسارع له الاثر في النصح بعد الاخذ بتجربة دولة محددة و تطبيقها على حالة السودان، و خير مثال على ذلك ان تجربة المغرب وهي تجربة لاحقة لتجربة جنوب افريقيا أدرجت التعويض كواحد من مكونات العدالة الانتقالية في حين أن جنوب أفريقيا لم تكن تدرجه، فالسودان يحتاج إلى نموذج سوداني خاص به، يركز على كافة مكونات اعمدة العدالة الانتقالية و خاصة الإصلاح التشريعي والمؤسسي، كما انه من الاهمية بمكان نشر مفاهيم العدالة الانتقالية الصحيحة لتفادي الاعتقاد الخاطئ بأنها تعني العفو فقط.
تحقيق العدالة في قضايا الاغتصاب
وبناء على خبرتها المتراكمة في القضايا النسوية قدمنا لها تساؤلاً حول كيفية التعامل ملف الاغتصاب، وجاء الرد بأنه على الرغم من الحساسية الثقافية لهذا الموضوع، الا انه لم تعد قضايا الاغتصاب تُعامل بنفس الصعوبة السابقة فأصبحت الاسر والنساء يتحدثن عنها، لاسيما بعد أن أصبحت جرائم حرب منظمة تُشن على أجساد النساء، واصبحت المطالبة بتحقيق العدالة لزاماً على الدولة وهذا يتطلب: -
أولاً.. تشجيع الناجيات على الحديث وذلك لدعم الضحايا وملاحقة الجناة.
ثانيا.. الاعتراف والاعتذار والتعويض، يجب أن يتم الاعتراف بالجرائم وتقديم اعتذار للناجيات، ثم تعويضهن مادياً وأدبياً.
ثالثا.. الدعم النفسي والطبي، يجب توفير معالجات نفسية فردية وجماعية للناجيات، لمساعدتهن على التغلب على الوصمة والآثار النفسية الكبيرة لهذه الجرائم.
واختتمت بالقول:" العدالة في هذه القضايا تتطلب عملًا جماعيًا، سواء من خلال المحاكمات في إطار العدالة الانتقالية او من خلال الدعم المجتمعي".