الضعين-سودان سكوب

في خضم حرب الـ15 من أبريل، تبرز قصص مدن وقرى لا تملك رفاهية الظهور على شاشات الأخبار الرئيسية، لكنها تعاني في صمت. مدينة الضعين في السودان هي إحدى هذه القصص.

تقع الضعين في قلب ولاية شرق دارفور، وهي نقطة التقاء استراتيجية تربط بين ولايات دارفور والخرطوم وكردفان. هذه المدينة، التي كانت في السابق مركزًا تجاريًا يعتمد على الزراعة وتربية الحيوان، أصبحت اليوم مثالًا حيًا على التدهور الشامل الذي يمكن أن تحدثه الحروب والإهمال، يعيش سكان الضعين واقعًا مريرًا يهدد أبسط مقومات الحياة، فالمدينة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع تعرضت لقصف مستمر من طيران الجيش الحكومي مما أدى لدمار العديد من المؤسسات والمرافق الصحية، وتأثرت البنية التحتية المتهالكة أصلاً بالمدينة بشكل كبير بالضربات الجوية.

وتُظهر التقارير الواردة من الضعين صورة قاتمة للوضع في قطاعي التعليم والصحة، وهما الركيزتان الأساسيتان لأي مجتمع مستقر.

 جيل في خطر

التعليم في الضعين يواجه تحديات جسيمة تهدد مستقبل جيل كامل. على الرغم من وجود 75 مدرسة في المحلية، موزعة على وحدات إدارية، فإنها بالكاد تعمل. المشكلة الأولى هي توقف رواتب المعلمين منذ بداية الحرب، مما يترك أكثر من ألف معلمًا وعاملًا بحقل التعليم في وضع اقتصادي صعب، ويدفعهم نحو ترك وظائفهم أو البحث عن بدائل، ما يؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم.

تتفاقم الأزمة بسبب البيئة المدرسية المتدهورة. فقد انهارت العديد من المدارس، خاصة تلك المبنية بمواد محلية في المناطق الطرفية، وباتت غير صالحة للاستخدام. كما أن المدارس القائمة تفتقر إلى أبسط التجهيزات مثل المقاعد والوسائل التعليمية. كما أن بعض المدارس تحولت إلى ملاجئ للنازحين، ما يجعل من المستحيل استئناف الدراسة فيها. ورغم فتح 52 مدرسة في العام الدراسي 2024-2025، فإن التحديات المذكورة تجعل هذه الجهود غير كافية لضمان تعليم مستقر ومناسب.

وبائيات ونقص في الكوادر

الوضع الصحي في الضعين لا يقل سوءًا، بل إنه يمثل تهديدًا مباشرًا لحياة السكان. المدينة تعاني من انتشار وبائيات وحميات، خصوصًا حالات الإسهال المائي والاستفراغ التي أدت إلى ارتفاع معدلات الوفيات. وتزداد الأوضاع سوءًا بالنسبة للأطفال، الذين يعانون من سوء التغذية، في ظل غياب التغذية العلاجية في المراكز الصحية.

على الرغم من أن عدداً من المستشفيات والمراكز الصحية لا تزال تعمل، فإنها تعاني من نقص حاد في الأدوية الأساسية، خاصة المحاليل الوريدية والأدوية المنقذة للحياة، وإن وجدت فإن أسعارها باهظة ولا يمكن لأغلب السكان تحملها. ولا يقتصر النقص على الأدوية، بل يشمل أيضًا الكوادر الطبية المتخصصة في مجالات حيوية مثل الأنف والأذن والحنجرة، والمخ والأعصاب، والقلب. هذا النقص يترك المرضى في مواجهة أمراضهم دون رعاية كافية، في سباق مع الزمن للحصول على العلاج.

الضعين.. رمز لتحديات أوسع

انعكس الصراع الحالي في السودان على المدنيين بشكل أساسي، وفقد كثير من المواطنين أرواحهم وممتلكاتهم في إطار التدمير المتبادل بين أطراف النزاع، وتعرض سكان الضعين للقصف بشكل ممنهج بسبب انحراف الحرب إلى استهداف المكونات الاجتماعية للمشاركين في الصراع.

ما يحدث في الضعين ليس مجرد قصة محلية، بل هو انعكاس لأزمة أكبر تعاني منها مناطق واسعة في السودان. إنها تذكرة بأن الصراع لا يقتصر على المعارك المسلحة، بل يمتد ليشمل تدمير البنية التحتية الاجتماعية، وتهديد أبسط حقوق الإنسان في التعليم والصحة. هذه المدينة، التي كانت في السابق مركزًا حيويًا، تصبح اليوم رمزًا للمعاناة الإنسانية التي يجب أن يلتفت إليها العالم.