أم درمان-سودان سكوب

في الوقت الذي يتصارع فيه السودان مع تداعيات حرب مدمرة، تبرز أزمة جديدة تضاف إلى قائمة طويلة من التحديات التي يواجهها المواطن العادي٬ الانقطاع المنهجي وغير المبرر للكهرباء والمياه. فبينما تحاول البلاد لملمة جراحها، يجد سكان أحياء غرب الحارات في منطقة الثورات بأم درمان أنفسهم غارقين في ظلام دامس وعطش مستمر، في ظل غياب تام لأي تفسيرات رسمية. 

هذه ليست مجرد مشكلة خدمية عابرة؛ إنها مرآة تعكس حالة من الفوضى الإدارية والإهمال الحكومي، وتثير تساؤلات عميقة حول مستقبل البلاد.

لقد كانت البنية التحتية في السودان، وخاصة في أم درمان، تعاني بالفعل  قبل اندلاع الصراع الأخير. ومع تفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية جراء الحرب، تعرضت شبكات الكهرباء والمياه لأضرار جسيمة، مما أدى إلى انقطاعات واسعة النطاق. وبينما تُعزى بعض هذه الانقطاعات إلى الأضرار المادية، فإن ما يشهده سكان غرب الحارات يشير إلى مشكلة أعمق بكثير.

في شهادة مؤلمة، يروي المواطن حسن عثمان لـ "سودان سكوب" كيف تحولت الحياة في حارات مثل 12، 13، 14، 15 و 58 إلى كابوس يومي. "التيار الكهربائي ينقطع يوميًا منذ السادسة صباحًا ويعود في منتصف الليل،" يقول عثمان بمرارة. ما يزيد الطين بلة هو التمييز الواضح في توفير الخدمة؛ فبينما تعاني هذه الأحياء من انقطاعات شبه دائمة، تنعم مناطق أخرى في العاصمة باستقرار نسبي في إمداد الكهرباء. هذا التفاوت يثير تساؤلات مشروعة حول معايير التوزيع، وهل هي مبنية على أسس عادلة وشفافة، أم أنها تخضع لاعتبارات غير معلنة؟

الأزمة لا تقتصر على الكهرباء وحدها. ففي واقع معيشي يرتبط فيه توفر المياه بالكهرباء بشكل وثيق، أصبح انقطاع التيار الكهربائي يعني بالضرورة توقف محركات ضخ المياه. وعليه، يعيش سكان هذه الحارات بلا مياه لليوم الثالث على التوالي، في ظل درجات حرارة مرتفعة تزيد من وطأة المعاناة. تخيلوا أنفسكم في خضم صيف قائظ، دون كهرباء لتشغيل مكيف أو مروحة، ودون قطرة ماء للشرب أو النظافة. هذه ليست مجرد رفاهية؛ إنها ضروريات أساسية للحياة الكريمة.

الأكثر إثارة للقلق، واللافت للنظر، هو الصمت المطبق من قبل الجهات الرسمية. فلا توضيحات من شركات الكهرباء والمياه، ولا جداول زمنية متوقعة لإصلاح الأعطال، ولا حتى مجرد اعتذار للمواطنين الذين يئنون تحت وطأة هذه الأزمة. هذا الغياب التام للتواصل الرسمي يخلق شعوراً باليأس والإحباط، ويفاقم من حالة عدم الثقة بين المواطن والدولة. في عالم تتسارع فيه المعلومات، وتصبح الشفافية مطلباً أساسياً، يبدو أن الحكومة السودانية لا تزال تعمل بمنطق عتيق، حيث يتم تجاهل شكاوى المواطنين، وتُترك الأزمات لتتفاقم دون تدخل.

إن ما يحدث في أمدرمان ليس مجرد أزمة محلية؛ إنه مؤشر على تحديات أوسع تواجه السودان. ففي غياب حكومة فاعلة وقادرة على توفير الخدمات الأساسية، وفي ظل صراع مستمر، يصبح الطريق نحو التعافي والاستقرار محفوفًا بالمخاطر. إن معالجة أزمة الكهرباء والمياه في أم درمان ليست مجرد مسألة فنية؛ إنها اختبار حقيقي لقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها، وخطوة ضرورية نحو بناء الثقة وتمهيد الطريق لمستقبل أفضل. فهل تستجيب السلطات لصوت المعاناة، أم تظل الأضواء مطفأة، وتغرق بعض أمدرمان في الظلام الدامس.