مدني-سودان سكوب

"أكثر من 1.3 مليون سوداني يعودون لديارهم رغم التحديات الهائلة"

بينما أصبح اسم السودان مرادفًا لبلد غارق في أزمات لا تتوقف، تلوح في الأفق مؤخرًا إحصائية قد تبدو متناقضة مع هذا السرد الكئيب. ففي خضم الصراع المستعر منذ أبريل 2023، والذي أرغم الملايين على التشرد، تُشير أرقام حديثة صادرة عن المنظمة الدولية للهجرة (IOM) إلى عودة طوعية لأكثر من 1.3 مليون سوداني إلى ديارهم بين نوفمبر 2024 ويونيو 2025. "هل هذه إشارة إلى تحول جذري في ديناميكيات النزاع، أم مجرد وهم يوفر بعض الراحة المؤقتة في بحر من المعاناة؟"

إن هذه الأرقام، التي كشفت عنها مصفوفة تتبع النزوح (DTM) التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، تُشكل نقطة مضيئة نادرة في ما وصفته الأمم المتحدة بأنه أكبر أزمة نزوح في العالم. لقد عاد ما يقرب من 1,337,117 فردًا إلى 1,140 موقعًا ضمن 20 منطقة محلية في ست ولايات رئيسية: الجزيرة (71%)، سنار (13%)، الخرطوم (8%)، النيل الأبيض (5%)، نهر النيل (2%)، وغرب دارفور (1%). يُعد هذا الارتفاع الملحوظ، الذي بلغ 12% مقارنة بالتقارير السابقة، مدفوعًا بشكل رئيسي باستعادة الجيش السوداني للسيطرة على بعض هذه الولايات، مما غرس بصيصًا من الأمل في نفوس من أرهقهم النزوح.

وعلى الرغم من هذه العودة المشجعة، لا يزال المشهد الإنساني معقدًا. فمنذ اندلاع الصراع، بلغ إجمالي عدد النازحين داخليًا في السودان أكثر من 10 ملايين شخص (10,065,329) موزعون على 10,521 موقعًا في جميع الولايات الـ 18. من هؤلاء، نزح 7,666,575 فردًا منذ 15 أبريل 2023. إضافة إلى ذلك، عبر حوالي 4.2 مليون فرد (4,238,848) الحدود إلى الدول المجاورة. وتظل ولايات الخرطوم (30%) وجنوب دارفور (21%) وشمال دارفور (20%) الأكثر تضررًا من حيث المنشأ الأصلي للنازحين.

ولكن دعونا لا نقع في فخ التفاؤل المفرط. ففي عالم تتشابك فيه الحقائق المعقدة، نادرًا ما تكون القصص بهذه البساطة. فبينما يمثل قرار العودة تعبيرًا قويًا عن الشوق للوطن والبيت، إلا أن الواقع الذي يواجه هؤلاء العائدين لا يزال محفوفًا بالمخاطر والتحديات الهائلة.

أولًا، : "نقص الخدمات الأساسية يُشكل عقبة كؤود"٬ فالعديد من المناطق التي عاد إليها النازحون تعاني من دمار واسع في البنية التحتية، مما يعني نقصًا حادًا في الرعاية الصحية، والمياه النظيفة، والصرف الصحي، والتعليم. كيف يمكن لأكثر من مليون شخص أن يعيدوا بناء حياتهم بدون أساسيات العيش الكريم؟

ثانيًا: "انعدام الأمن" لا يزال يلقي بظلاله الثقيلة. رغم التحسن النسبي في بعض المناطق، تستمر الاشتباكات في مناطق أخرى، لا سيما في دارفور والخرطوم. العودة إلى مناطق قد تشتعل فيها النزاعات مجددًا ليست عودة إلى الاستقرار، بل هي مغامرة محفوفة بالمخاطر.

ثالثًا: "انهيار سبل العيش" يُعد تحديًا وجوديًا. لقد فقد معظم العائدين وظائفهم ومصادر دخلهم، وانهارت الأسواق المحلية. اعتماد الغالبية العظمى على المساعدات الإنسانية للبقاء يُشير إلى هشاشة الوضع الاقتصادي، ويُثير تساؤلات حول استدامة هذه العودة.

أخيرًا: تبرز قضايا "نزاعات الأراضي والممتلكات" كقنبلة موقوتة. ففي مناطق شهدت نزوحًا جماعيًا طويل الأمد، ستنشأ حتمًا نزاعات حول ملكية الأراضي والمنازل المهجورة. فإذا لم تتم معالجة هذه القضايا بحكمة وعدل، فقد تُشعل جولة جديدة من العنف.

"قصور الاستجابة الإنسانية"

تُقدم المنظمة الدولية للهجرة دعمًا حيويًا عبر برامجها للمساعدة الطوعية على العودة وإعادة الاندماج (AVRR)، لكن حجم الأزمة الإنسانية في السودان يفوق بكثير قدرة أي منظمة بمفردها. تُشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حوالي 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. ومع ذلك، فإن الاستجابة الإنسانية تُعاني من نقص حاد في التمويل. هذا النقص لا يُعيق فقط قدرة المنظمات على توفير المساعدة الكافية، بل يُهدد بتفاقم الأوضاع الإنسانية المتردية بالفعل، مما يُعرض حياة الملايين للخطر.

المستقبل: أمل في عالم مستقر؟

تُشكل حركات العودة الطوعية بارقة أمل، لكنها ليست نهاية المطاف. إنها تُسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى حل سياسي مستدام للصراع. فبدون وقف دائم لإطلاق النار، وإعادة بناء شاملة للبنى التحتية، ودعم قوي لسبل العيش، ستبقى حركات العودة عرضة للتوقف أو الانتكاس.

إن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: "هل سيتمكن السودان من الخروج من هذه الأزمة المدمرة نحو السلام والاستقرار؟ أم أن تحديات العودة ستُضيف أعباءً جديدة على كاهل شعب أنهكته الحرب، وتُبقي هذا البلد العظيم عالقًا في حلقة مفرغة من النزاع والنزوح؟" إن الإجابة على هذا السؤال لا تكمن فقط في الإحصائيات، بل في الإرادة السياسية والإنسانية الجماعية للوصول لاتفاق سلام دائم.