أمدرمان-سودان سكوب

بينما كانت شوارع أم درمان تستضيف عرضًا عسكريًا ضخمًا لشرطة ولاية الخرطوم، تأكيدًا على جاهزيتها لحفظ الأمن ومكافحة الجريمة، كانت جريمة سطو مسلح تحدث على بعد أمتار قليلة، لتسقط ضحيتها امرأة على يد مجرم يحمل سلاحًا من نوع "كلاشنكوف". هذه الحادثة، التي اعتبرها قانونيون "جريمة متكاملة الأركان"، كشفت عن تناقض صارخ بين الجهود المعلنة لضبط الأمن والواقع المرير الذي يعيشه سكان العاصمة السودانية، خاصة في أم درمان.
يشكو السكان من تصاعد معدلات الجريمة، لا سيما السطو المسلح، الذي بات يلقي بظلاله من الخوف على حياتهم، حتى إنهم يترددون في مغادرة منازلهم. فبعد سنوات من الأمان النسبي، تحولت أم درمان إلى بؤرة للانفلات الأمني، الذي يعزوه الخبراء والمواطنون إلى الانتشار الواسع وغير المنظم للسلاح، وتوافر الأسلحة بأسعار زهيدة، مما جعلها في متناول الجميع، بما في ذلك الخارجون على القانون.

انتشار السلاح وغياب القانون

أوضح مصدر عسكري فضل عدم الكشف عن هويته أن انتشار الجماعات المسلحة، والكتائب، والمليشيات، وتسليحها العشوائي، ساهم بشكل مباشر في زيادة معدلات الجريمة. وأشار إلى أن غياب الرقابة وضعف دور السلطات القائمة في حفظ الأمن، دفع المواطنين إلى تسليح أنفسهم للدفاع عن حياتهم وممتلكاتهم.
هذا الفراغ الأمني تزامن مع هروب عدد كبير من أصحاب السوابق والمحكوم عليهم بالإعدام من سجون العاصمة، مما أضاف المزيد من التعقيد إلى المشهد. وبحسب مصادر ، فإن مناطق شمال أم درمان، وصابرين، وغرب أم درمان، أصبحت مناطق خطرة، حيث اضطر التجار إلى تركيب كاميرات المراقبة، التي وثقت عشرات من جرائم السطو، نفذها مسلحون ينتمي بعضهم إلى القوات النظامية.

تحديات أمنية واجتماعية جديدة

تفاقمت الأزمة الأمنية في ولاية الخرطوم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية بعد الحرب ، مما أدى إلى ظهور مجموعات إجرامية جديدة، بعضها يتشكل من نساء، بحسب مصدر عسكري. هذه التشكيلات الإجرامية، التي بدأت في إقامة أوكار خاصة بها في أم درمان، قد تنسق فيما بينها لتنفيذ عمليات إجرامية واسعة، مما يهدد بنقل الانفلات إلى جميع أنحاء العاصمة.
يؤكد المواطنون أن هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على أم درمان وحدها، بل امتدت لتشمل كل أحياء ولاية الخرطوم. وأفاد أحد سكان منطقة الثورات بأن الوضع يتجه نحو الأسوأ، مما دفع الأهالي إلى وضع أسلاك شائكة على أسوار منازلهم، واتباع نصائح الحكومة بضرورة توخي الحذر.
وفي ظل تناقص أعداد قوات الشرطة، وتدمير المحاكم والنيابات، وغياب سجلات الجرائم، يرى ضابط شرطة متقاعد أن الشرطة في ولاية الخرطوم تواجه تحديات لوجستية كبيرة تمنعها من استعادة الأمن.

دعوات لإعادة هيكلة الشرطة وتجريم حمل السلاح

طالب المواطنون وعدد من الخبراء القانونيين والأمنيين بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة هذا التحدي. ومن بين المقترحات، إعادة هيكلة الشرطة: وتدريبها على عقيدة جديدة تساهم في بناء دولة القانون و تأهيل الأقسام الشرطية وتجهيزها بالتقنيات اللازمة لتمكينها من أداء مهامها و تغيير القوانين لفرض عقوبات رادعة على حاملي السلاح غير المرخص، والحد من انتشاره.
وفي ظل هذه التحديات، يظل السؤال قائمًا: هل سيسقط المزيد من الضحايا ليس بسبب الحرب، بل بسبب غياب الأمن وتفشي الجريمة؟