إتفاقية السلام الشامل (إتفاق أكرا - غانا)

"٣ - ٥ "

د. عيسى حمودة

مقدمة: 

تتألف هذه السلسلة من المقالات علي سرد و تحليل لتجربة العدالة الإنتقالية وتعزيز المصالحة والسلام في ليبيريا بعد انتهاء الحرب الأهلية، بالاعتماد على العرف المجتمعي والمبادرات الشعبية في عمليات الصلح وتحقيق العدالة. 

و فيها يعرض الكاتب الدراسات والتقارير المنشورة، بالإضافة إلى مشاهدات الكاتب بشأن التدخلات الأخرى التي ساهمت في تعزيز السلام خلال الفترة ما بعد الحرب الأهلية في البلاد.

تسعى المقالات إلى إبراز أهمية الأدوار غير الرسمية والمجتمعية في تحقيق العدالة وتقريب الهوة بين الجناة وضحاياهم، لتقليل الفجوات بين الأطراف المتنازعة في ظل توسع النزاعات والحروب. تؤكد هذه الحلول الأهلية على أهمية السلم الاجتماعي والعيش المشترك، وتجسد المقولة المعروفة "الحي أبقى من الميت".

إتفاق أكرا للسلام الشامل: 

كما أشرت في مقالات سابقة، فإن الضغوط الدولية، خاصة من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، والاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية، لعبت دوراً كبيراً في عقد محادثات سلام جادة تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية في ليبيريا ومعالجة الأزمة الإنسانية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

عقدت محادثات السلام في أكرا، غانا، في يونيو 2003، وشاركت فيها حكومة ليبيريا بقيادة تشارلز تايلور، الفصائل المسلحة، منظمات المجتمع المدني، والوسطاء الدوليون. شملت المحادثات مجموعة من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، التي كانت تتسم أحياناً بالتوتر ومواجهة التحديات.

توّجت هذه الجهود بتوقيع اتفاقية السلام الشامل في 18 أغسطس 2003، والتي تضمنت البنود التالية:

1. وقف إطلاق النار: الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار الذي أنهى الأعمال العدائية بين الفصائل المتحاربة.

2. تشكيل حكومة انتقالية: تتولي إدارة البلاد حتى إجراء انتخابات ديمقراطية.

3. نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR): تحديد عملية DDR لنزع سلاح المقاتلين وتسهيل اندماجهم في المجتمع، وهو خطوة حيوية في عملية بناء السلام.

4. الانتخابات: الاتفاق على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في عام 2005، بما يمهد الطريق لتأسيس حكم ديمقراطي.

5. حفظ السلام الدولي: نشر بعثة الأمم المتحدة في ليبيريا (UNMIL) لضمان حفظ السلام والاستقرار.

لعبت اتفاقية السلام دوراً محورياً في بداية فصل جديد في تاريخ ليبيريا. ومنذ توقيعها، انطلقت ليبيريا في رحلة نحو التعافي وإعادة البناء.

لجنة الحقيقة والمصالحة:

أوصت اتفاقية أكرا أيضا بتأسيس لجنة الحقيقة و المصالحة، وتم إنشاء هذه اللجنة رسمياً في عام 2005 وبدأت عملها في عام 2006.

أبرز توصيات لجنة الحقيقة والمصالحة في ليبيريا تضمنت ما يلي:

1. تحقيق العدالة للضحايا: ضرورة محاسبة المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، بما في ذلك أفراد محددين تم تحديدهم في التقرير.

2. تعزيز المصالحة: تشجيع المبادرات الموجهة لتعزيز الشفاء والمصالحة بين الليبيريين، مثل مبادرات الحوار والانخراط المجتمعي. وسيتم تناول تجربة كوخ/قطية لحل النزاعات بالتفصيل لاحقاً.

3. تقديم التعويضات: اقتراح برنامج شامل لتعويض الضحايا، يشمل تعويضات مالية ودعماً للمجتمعات المتضررة من الحرب.

4. الإصلاحات المؤسسية: تقديم إصلاحات في قطاعات الحكومة والأمن لمنع نشوب صراعات مستقبلية وضمان المساءلة والشفافية وتعزيز السلام.

5. تخليد ذكرى ضحايا الصراع: إنشاء نصب تذكارية وبرامج تعليمية لتكريم الضحايا وتثقيف الأجيال القادمة حول تاريخ الصراع في البلاد.

6. تعزيز الحوكمة الرشيدة: تعزيز المؤسسات الديمقراطية والحوكمة الرشيدة من أجل تعزيز السلام والاستقرار.

7. المراجعة الثقافية والتاريخية: اقتراح مبادرات لإعادة النظر في الروايات و السرديات الوطنية وتطوير خطابات جديدة ووجهات نظر ثقافية متنوعة لتعزيز الوحدة الوطنية.

هدفت توصيات لجنة الحقيقة والمصالحة إلى معالجة الجذور العميقة للصراع وتعزيز العدالة والمصالحة، وضمان مستقبل آمن وديمقراطي لليبيريا.

في الحلقة القادمة سوف أتناول التجارب الأهلية والمجتمعية المستوحاة من الطرق التقليدية في حل النزاعات، والتي حظيت بدعم من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والأمم المتحدة.