الحلفايا-سودان سكوب
في زمن الحرب، يصبح الموت أكثر من مجرد نهاية للحياة، بل هو قصة مأساوية تُروى فصولها على أجسادٍ مُنهكة وأرواحٍ مُعذبة. إنها قصة العاقب جعفر العاقب، الملقب ب"مجوك"، الشاب الطموح الذي نشأ وترعرع في حي الحلفايا، ذلك الحي المعروف بترابط أهله وعمق علاقاتهم. كان "مجوك" بابتسامته الدائمة وروح الدعابة التي يمتلكها، نجمًا بين الكبار والصغار، محبوبًا من الجميع.
لم يمنعه طموحه من السفر بحثًا عن مستقبل أفضل، لكنه عاد مجددًا ليحتضن أرضه وأهله، فأسس كشكًا صغيرًا لإصلاح إطارات السيارات، ليصبح مصدر رزقه وعائلته. كان هذا الكشك الصغير شاهدًا على صلته الوثيقة بأهالي الحلفايا، فلا يمكن أن تمر من أمامه دون أن يلقي عليك التحية ويتبادل معك أطراف الحديث بمرح.
لم ترحم الحرب أحلام "مجوك" ولا كشكه الصغير. استهدفت قذيفة دكانه، فأُغلق، لكن القدر لم يمهله. في مرة أخرى، وبينما كان يجلس أمام منزله مع عدد من جيرانه، استهدفتهم طائرة مسيرة، فقتلت اثنين منهم وأصيب هو في يده، إصابة لم ينجُ منها إلا ببترها.
كانت تلك الإصابة بمثابة نقطة تحول في حياته، فأجبرته على مغادرة الحلفايا إلى قرية الفكي هاشم، شمال بحري، باحثًا عن الأمان. ومع دخول الجيش إلى الحلفايا، عاد "مجوك" إلى مسقط رأسه، بعد أن ظن أن الاستقرار قد عاد.
لكن الأيام كانت تخبئ له فصلًا جديدًا من فصول المأساة. فبعد عودته، اُعتقل واتُهم بالتعاون مع الدعم السريع، ليُزج به في سجن أم درمان لأكثر من شهرين في ظروفٍ غير إنسانية. تدهورت حالته الصحية بشكل خطير، ونُقل إلى مستشفى النو، حيث فاضت روحه في يوم جلسة محاكمته، في مفارقةٍ تزيد من مرارة الحزن.
ساد حزن عميق حي الحلفايا بعد انتشار خبر وفاته، فقدانٌ لم يكن ناتجًا عن قذيفة طائشة أو رصاصة غادرة، بل كان نتيجة إهمال ممنهج وظلم جديد. رحل "مجوك" وترك وراءه قصةً تُحكى عن شابٍ طموح، ضحيةً لحربٍ عبثية، لتصبح قصته نموذجًا صارخًا للظلم الذي يتعرض له كل من لم يستطع مغادرة ولاية الخرطوم.