شندي-سودان سكوب
منذ سنوات، تعيش مدينة شندي، شمال السودان، أزمة مياه صامتة لكنها مميتة. في ظل تقارير تفيد بوجود خروقات كبيرة في عمليات إمداد وتنقية المياه، يواجه سكان المدينة خطرًا صحيًا متزايدًا يهدد حياتهم وحياة أطفالهم. إنها قصة مأساوية عن الفساد، والإهمال، وتجاهل حقوق الإنسان الأساسية، حيث أصبحت المياه التي يجب أن تكون مصدر الحياة، مصدرًا للمرض والموت.
الفشل الكلوي: وباء صامت
تتحدث الأرقام عن نفسها، فتقارير طبية من داخل شندي تكشف عن ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بالفشل الكلوي والأمراض ذات الصلة بتلوث المياه. الزائر لمستشفى المدينة سيُصدم من أعداد المرضى الذين يعانون من هذه الأمراض، والتي أصبحت تشكل وباءً صامتًا. أحد الأطباء العاملين في مركز لغسيل الكلى في شندي أكد لـ"سودان سكوب" أن السكان يعانون من حرمانهم من المياه النظيفة، وأن شبكة المياه المتآكلة تزيد من المخاوف بشأن وجود مواد مسرطنة، مثل مادة الأسبستوس، التي تتسرب إلى المياه وتجعلها غير صالحة للاستخدام.
فساد وإهمال يغذيان الكارثة
تتجاوز المشكلة مجرد تآكل الأنابيب. فالمواطنون، الذين يصفون المياه بأنها "مياه مجاري"، يشيرون بأصابع الاتهام إلى الفساد والإهمال المتعمد من قبل السلطات المحلية. صفقات مشبوهة لاستيراد مواد تنقية كيميائية فاسدة تسببت في هدر عشرات الملايين من الدولارات، دون أن تؤدي إلى تحسين جودة المياه. وفي المقابل، ترفض السلطات استبدال الأنابيب القديمة، المصنوعة من الأسبستوس والحديد، والتي تجاوزت عمرها الافتراضي، رغم التحذيرات المتكررة من منظمة الصحة العالمية التي تؤكد أن هذه المادة مسرطنة.
المواطن يدفع الثمن
في مواجهة هذا الإهمال، يلجأ السكان إلى حلول فردية مكلفة وغير مجدية على المدى الطويل. فبعضهم يحفر آبارًا خاصة، ولكن مياهها المالحة أدت بدورها إلى انتشار أمراض الفشل الكلوي. بينما يضطر آخرون إلى شراء المياه المعدنية رغم تكلفتها الباهظة، لتجنب مخاطر المياه الملوثة التي تتدفق من الصنابير.
هذا التجاهل المتعمد لمشكلة حيوية يثير تساؤلات حول أولويات الحكومة. فكما أوضحت اختصاصية الصحة العامة، أديبة السيد، فإن كلفة معالجة مياه الشرب أقل بكثير من الأضرار الصحية والاقتصادية التي تسببها الأمراض المرتبطة بتلوث المياه. وفي حين ترتفع تكاليف علاج الفشل الكلوي، تتجاهل السلطات صيانة شبكات المياه التي يمكن أن تكلّف أقل بكثير.
إن أزمة المياه في شندي ليست مجرد مشكلة محلية، بل هي انعكاس لأزمة أعمق في السودان. فمعاناة المواطنين في شندي تتكرر في معظم ولايات نهر النيل، مما يؤكد أن القضية تتطلب تدخلاً عاجلاً وحلولاً جذرية على المستوى الوطني.
لقد حان الوقت للسلطات أن تتوقف عن تجاهل صحة مواطنيها، وأن تتحمل مسؤوليتها في توفير أبسط حقوق الإنسان "الحق في الحصول على مياه شرب نظيفة وآمنة" .