هل يلجا البرهان لإزاحة حليفه العسكري من وزارة المالية؟!
تقرير-سودان سكوب
فرضت واشنطن مؤخراً عقوبات على وزير المالية الدكتور جبريل إبراهيم، والذي يعد أحد قيادات الحرب في السودان، ورغم أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية شمل بالعقوبات قوات البراء بن مالك التي تنتمي للحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي، إلا أن هذا التقرير سيركز على التداعيات الاقتصادية لفرض عقوبات على وزير مالية أثناء وجوده على رأس عمله، ومدى تأثيرها على حركة التجارة الداخلية والخارجية ومجمل النشاط الاقتصادي في المنطقة التي تسيطر عليها القوات المسلحة في السودان.
وعقب إصدار القرارات الأخيرة صرّح جون ك. هيرلي، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، قائلاً: "شكّلت الجماعات الإسلامية السودانية تحالفات خطيرة مع النظام الإيراني. لن نقف مكتوفي الأيدي ونسمح لهم بتهديد الأمن الإقليمي والعالمي". وأضاف: "تستخدم وزارة الخزانة أدواتها العقابية القوية لتعطيل هذا النشاط وحماية الأمن القومي الأمريكي".
هذه التصريحات ذات النبرة القوية لمسؤول أميركي رفيع تشير إلى أن واشنطن تضع الدكتور جبريل إبراهيم في ذات مرتبة كتائب البراء المتحالفة مع إيران، وسيتم التشدد في تنفيذ هذه العقوبات، والتاريخ يشير إلى فداحة الثمن الذي ستدفعه أي مؤسسة أو كيان يحاول التلاعب على قرارات وزارة الخزانة الامريكية، إذ تم التنكيل بالبنك الفرنسي "بي.إن. بي باريبا"، وتغريمه مليارات الدولارات ومنعه من إجراء تعاملات محددة بالدولار لمدة عام مما أوقع خسائر إضافية على البنك الذي تواطأ مع نظام البشير وأنظمة أخرى خاضعة لذات العقوبات الأمريكية.
تفاصيل العقوبات على جبريل
وبعودة إلى حيثيات القرار، نجد وزارة الخزانة الأمريكية وضعت قائد حركة العدل والمساواة المتحالفة مع الجيش على قائمة الأفراد الخاضعين لعقوبات خاصة، وهذا يعني أن الأفراد أو المؤسسات الأمريكية أو الذين يتعاملون مع النظام المالي الأمريكي مُلزمون بعدم التعامل معه، وأي ممتلكات له داخل الولايات المتحدة أو تحت رقابة أشخاص أمريكيين تُجمد.
العقوبة تُعيق قدرة جبريل على استخدام المؤسسات المالية التي لها علاقات مع الولايات المتحدة، أو التي تخضع لضغوط عقوبات. أي تعامل مالي دولي قد يتطلب تحقيقات أكبر (ما يعرف بالحرص الواجب)، أو قد يُرفض.
آثار مدمرة على الساحة الاقتصادية
وضعت "سودان سكوب" عدداً من التساؤلات حول العقوبات الامريكية بين يدي خبير اقتصادي دولي -نمسك عن ذكر اسمه لحساسية موقعه- والذي أشار بدوره إلى أن التأثير المباشر قد يبدو محدودا للوهلة الأولى على جميع الأشخاص الذين شملتهم العقوبات وآخرهم جبريل إبراهيم، وذلك لعدم الاندماج المالي مع الجهات الخارجية.
واستدرك قائلا بالرغم من ذلك تتولد تداعيات خطيرة غير مباشرة على الاقتصاد السوداني، ونجملها فيما يلي:
أولاً.. التأثيرات غير المباشرة على الاقتصاد والقطاعين المالي والمصرفي في السودان عند إدراج أشخاص وكيانات سودانية على لوائح وزارة الخزانة الأمريكية، استناداً إلى أسس نظام العقوبات الحالي وتجربة الأسواق مع "سياسات الحدّ من المخاطر/قطع المراسلين"، أي أن المصارف الدولية تتجنب التعامل مع مصارف دولة بها كيانات مدرجة ضمن قوائم الإرهاب.
ثانيأً.. مغالاة البنوك الدولية في الامتثال فتُغلق حسابات مراسلة أو تقلص الخدمات لبلدان عالية المخاطر. وينتج عن ذلك صعوبة "فتح/ الإبقاء على" حسابات بالنقد الأجنبي، وارتفاع رسوم المدفوعات، تأخر التسويات، وفرض رسوم عالية وعمولات عن طلب البنوك السودانية تعزيز الضمان من بنوك أجنبية، حال الدخول في معاملات التجارة الخارجية.
ثالثاً.. تضييق التمويل التجاري (على سبيل المثال الاعتمادات المستندية): مع تشدد المراسلين وشركات الامتثال، تصبح الاعتمادات أغلى وأطول زمنًا، ما يضغط على واردات سلعية أساسية (وقود/ قمح/ دواء) ويزيد تقلبات الأسعار.
رابعاً.. ارتفاع مستوى المخاطر وتمويل الاستيراد: تقييد الدولار والامتثال الصارم يرفع علاوة المخاطر القطرية وأسعار تمويل القطاع الخاص والمشروعات، ويؤخر خطط الاستثمار.
خامساً.. هجرة التدفقات إلى قنوات غير رسمية: حين تضعف القنوات المصرفية، تتحول التحويلات والتجارة لتسويات نقدية/حوالات غير رسمية، تساعد في زيادة نشاط السوق الموازية للعملات. وبالتالي يترتب على ذلك تداعيات كبيرة تهدد استقرار سعر الصرف.
واختتم الخبير الاقتصادي حديثه لـ"سودان سكوب" بالقول أن النقاط المذكورة أعلاه سوف تؤثر على أداء الاقتصاد السوداني وتدفعه نحو الانكماش، وذلك لأن قناة المصارف والتجارة الخارجية وقناة سعر الصرف لهما تأثيرات كبيرة على الأسواق ومجمل النشاط الاقتصادي في البلاد.
سيناريوهات إقالة وزير المالية؟!
ووفقاً لهذه القراءة المتخصصة للآثار الاقتصادية التي من المتوقع حدوثها في حال استمرار الدكتور جبريل إبراهيم وزيراً للمالية ، فإنه المهم الإشارة إلى أن قائد الجيش الجنرال البرهان قد يضطر إلى إعادة النظر في استمرار قائد العدل والمساوة على رأس وزارة المالية، وذلك للتخفيف من التداعيات الخطيرة لهذه العقوبات على الاقتصاد المنهار أساساً بفعل الحرب المستمرة من أكثر من عامين، وفي حال أقدم البرهان على هذه الخطوة لا يمكن التنبؤ برد فعل القوات المشتركة التي تقاتل إلى جانب الجيش في كافة المحاور، مع الوضع في الاعتبار العلاقة المتوترة أساساً بين البرهان وأهم قادة المشتركة مني مناوي، مما يفتح الباب واسعاً لسيناريوهات خطيرة اقتصادياً وميدانياً قد تعقد المشهد السياسي المحلي والاقليمي.