امدرمان - سودان سكوب

في خضم الصراعات التي تمزق السودان، حيث تتشابك خيوط الألم اليومي مع قسوة الحرب، تبرز قصة سكان منطقة الثورات بأم درمان كشهادة مؤلمة على التحديات التي تتجاوز مجرد البقاء على قيد الحياة. فبينما يصارع هؤلاء المواطنون لتأمين لقمة عيشهم في ظل ظروف اقتصادية قاسية، تلوح في الأفق مشكلة جديدة تثقل كاهلهم: غرامات الكهرباء.
تشير التقارير الواردة ل "سودان سكوب" إلى أن الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء قد فرضت غرامات مالية كبيرة على السكان الذين استخدموا توصيلات كهربائية غير رسمية، أو ما يُعرف محليًا بـ "الجبادات". تتراوح هذه الغرامات، وفقًا لشهادات المواطنين، بين مبالغ تتجاوز ستمائة ألف جنيه سوداني، ومبالغ أخرى تقارب الثلاثمائة ألف جنيه. وكما قال أحد السكان ل(سودان سكوب) بتعبير يختزل مرارة الوضع: "نحن لا نملك حتى ثمن صحن فول، فكيف لنا بهذه المبالغ الكبيرة؟"
إن هذا الوضع ليس مجرد مسألة تنظيمية؛ إنه انعكاس مباشر للفوضى التي خلفتها الحرب. فخلال فترات النزاع، توقفت المكاتب الحكومية والخدمات الأساسية عن العمل، مما دفع المواطنين إلى اللجوء لتدابير بديلة وغير نظامية لتأمين احتياجاتهم الأساسية، ومنها الكهرباء. كانت "الجبادات" في كثير من الأحيان هي الحل الوحيد المتاح في غياب البدائل الرسمية. والحكومة، بلا شك، كانت على دراية بهذه الممارسات، التي فرضتها ظروف قاهرة.
عامل في قطاع الكهرباء، طلب عدم الكشف عن هويته، صرح ل(سودان سكوب) بأن الغرامات تُحدد بناءً على حجم الاستهلاك، وأن هناك إمكانية لتقسيطها. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الواقع المرير الذي يواجهه القطاع نفسه، من أعطال متكررة وحاجة ماسة للصيانة وقطع الغيار، وكل ذلك يحدث في ظل "ظروف حرب خانقة". هذا الاعتراف، على الرغم من محاولته تقديم صورة متوازنة، يؤكد أن الأزمة متعددة الأوجه، وأن قطاع الخدمات نفسه يعاني من آثار النزاع.
إن فرض هذه الغرامات في هذا التوقيت يثير تساؤلات جدية حول مدى حساسية السلطات لواقع المواطنين. فبينما يعود بعض الاستقرار إلى البلاد تدريجيًا، لا يزال الكثير من الناس يعانون من البطالة وشح الموارد. إن ما كان في الماضي حلًا اضطراريًا للبقاء على قيد الحياة، يتحول الآن إلى عبء مالي لا يطاق. إنها معادلة صعبة: كيف يمكن معاقبة الأفراد على إجراءات اتخذوها بدافع الضرورة القصوى؟
يناشد مواطنو الثورات إدارة الكهرباء بالنظر في أوضاعهم الصعبة والتعامل معهم برأفة. إن هذه المناشدات ليست مجرد طلبات للعفو، بل هي دعوة لإعادة تقييم السياسات في ضوء الظروف الاستثنائية. ففي أوقات الأزمات، يجب أن تكون الأولوية لتخفيف المعاناة عن المواطنين، لا زيادتها. إن تحقيق التوازن بين استعادة النظام ومراعاة الظروف الإنسانية هو التحدي الأكبر الذي تواجهه السلطات في السودان اليوم. فهل يمكن للحكومة أن تُظهر مرونة كافية لتضميد الجراح، بدلًا من إيقاع المزيد من العقوبات؟ هذا هو السؤال الذي ينتظر إجابة في شوارع أم درمان.