شمال دارفور-سودان سكوب
في زمن تتشابك فيه الأزمات العالمية وتتصارع فيه الأولويات، يظل إقليم دارفور قصة حزينة لم تنل بعد نصيبها من الاهتمام الذي تستحقه. هنا، في معسكر طويلة، تتكشف فصول مأساة إنسانية عميقة، تذكرنا بأن الفشل في حماية الضعفاء هو وصمة عار على جبين الضمير الإنساني العالمي.
بينما تتجه الأنظار نحو الصراعات الأكثر صخبًا، يعيش الآلاف من النازحين في دارفور حصارًا خانقًا، وتدهورًا مريعًا في الأوضاع الصحية والغذائية، لا سيما بين النساء والأطفال. إنها ليست مجرد أرقام وإحصائيات؛ بل هي قصص حية لأناس فقدوا كل شيء، ولم يبق لهم سوى كرامتهم وصمودهم في وجه المستحيل.
حصار الجوع والمرض
في شمال دارفور، أصبح الحصول على الغذاء والدواء رفاهية بعيدة المنال. سكان معسكر (طويلة) يعيشون على هامش الوجود، معتمدين على مساعدات شحيحة من بعض المنظمات المحلية والدولية، بالكاد تكفي لوجبتين خفيفتين يوميًا. هذا ليس فقط نقصًا في الطعام، بل هو تجويع منهجي يهدد حياة الآلاف.
ومع حلول فصل الخريف، جاءت الكوليرا لتزيد الطين بلة. غياب مستلزمات النظافة والعلاج، وانعدام البنية التحتية الصحية، ومياه الشرب الآمنة، كلها عوامل أدت إلى انتشار سريع للمرض، يضاف إليها تفشي الملاريا في ظل توقف حملات مكافحة النواقل. إنها لوحة قاتمة لمجتمع يواجه الموت على جبهات متعددة.
صمود النساء في وجه العاصفة
في قلب هذه الأزمة، تبرز صرخات النساء، اللواتي فقدن مصادر دخلهن - من التدريس إلى الزراعة والحرف اليدوية. في غياب المعيل، باتت الأمهات يتحملن عبء إعالة أطفالهن، في ظل انفلات الأسعار وانعدام السلع الأساسية. تقول "م"، وهي أم لسبعة أطفال ونازحة في معسكر طويلة، بمرارة: "قبل الحرب كنت أعمل وأكسب رزقي، أما الآن فلا عمل ولا دخل. أغسل أيدي أطفالي بالرماد بدلًا من الصابون. نعتمد على العدس أو القليل من الخبز إن وُجد دقيق. أما وجبتنا الأساسية فهي العصيدة، وغالبًا بدون مكونات، لأن الزيت والبصل واللحم صارت بعيدة المنال." إن كلماتها تعكس يأسًا عميقًا، لكنها تحمل أيضًا قصة صمود لا يصدق.
نداء لضمير العالم
إن الاحتياجات الأساسية لسكان معسكر طويلة ليست معقدة: الصابون، علاجات الكوليرا والملاريا، تطعيمات الأطفال، ناموسيات لمكافحة الحشرات، وسلال غذائية عاجلة. إنهم ينامون على الأرض وسط الحشرات، وتظل الأمهات ساهرات لحماية أطفالهن من لسعات البعوض.
هذه ليست مجرد مشكلة محلية، بل هي قضية تتجاوز الحدود. إنها تذكير بأن هناك أجزاء من العالم ما زالت تعاني في صمت، وبأن المبادئ الإنسانية الأساسية تتعرض للانتهاك الصارخ. إن نداء سكان معسكر (طويلة) ليس مجرد طلب للمساعدة؛ بل هو دعوة ملحة للمنظمات الإنسانية والإغاثية، وللقوى العالمية، لكي تتدخل قبل فوات الأوان.
إن مأساة دارفور ليست مجرد فصل عابر في تاريخ الصراعات؛ إنها شاهد على فشلنا الجماعي في التصدي للمعاناة الإنسانية.