"صراع التحالفات والمبادئ في الاتحاد القاري"

أديس ابابا-سودان سكوب

في صباح الخامس والعشرين من اكتوبر 2021م، قوض الفريق عبد الفتاح البرهان الانتقال الديمقراطي في السودان بانقلاب عسكري، حل بموجبه الحكومة المدنية، وزج بقياداتها في السجون، واستولى على الدولة بالكامل. بمجرد شعور المواطنين بتحركات الانقلاب الغريبة، خرجوا الى الشوارع حتى قبل اعلان البيان الأول الذي يعقب عادة الانقلابات العسكرية في السودان، تم قمع هذا الحراك بوحشية مفرطة أدت الى مقتل العشرات من المتظاهرين السلميين وجرح المئات. وسرعان ما تغير الموقفان الدولي والإقليمي تجاه الوضع في السودان بعد اعلان البرهان عن الاستيلاء العسكري على السلطة.
وفي استجابة سريعة، قام الاتحاد الافريقي بتجميد عضوية السودان في المنظمة الاقليمية في السابع والعشرين من اكتوبر 2021م، أي بعد يومين فقط من الانقلاب. وعزت المنظمة قرارها إلى خرق السودان لأحد المبادئ التأسيسية لها بناء على المادة "30" من دستور الاتحاد، والتي تنص على عدد من الاجراءات المضادة، من بينها تجميد عضوية أي دولة تقوم بتغيير الحكومة بطرق غير دستورية، والتي تمثلت في الحالة السودانية بوضوح، وتمنع الدولة بموجب ذلك من المشاركة في أنشطة الاتحاد.
بدأ السودانيون بعد ذلك في عملية سياسية لإنهاء الانقلاب، إذ تم التوافق بين المكونين العسكري والمدني على اتفاق سياسي ينهي الانقلاب العسكري ويعيد مسار الانتقال المدني الديمقراطي، ولكن الأمر في نهايته تطور إلى حرب شاملة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023م، وفي إطار الصراع حول الشرعية بين طرفي النزاع بدأت حملة من جانب حكومة بورتسودان التي يقودها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان لإعادة عضوية السودان المجمدة في الاتحاد الافريقي.

القاهرة تحاصر الاتحاد الافريقي

ولقراءة المشهد بشكل شامل، لابد من النظر في تطورات القضية من زاوية التواصل مع الجانب الافريقي والذي ابتدرته الحكومة المصرية بالضغط على الاتحاد الافريقي مراراً لإعادة السودان للحضن القاري، وذلك أسوة بالدولة المصرية التي نجحت بالعودة خلال أقل من عام بعد انقلاب الجيش على السلطة المنتخبة برئاسة الراحل محمد مرسي.
في كلمته أمام اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي في فبراير الماضي طالب وزير الخارجية المصرية بدر عبد العاطي بإعادة النظر بمنظومة تجميد عضوية الدول في الاتحاد، وأتت تلك التصريحات بعد لقاء سابق له، في يناير مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أكد خلاله على الجهود المصرية لدعم استقرار السودان واستئناف عضويته بالاتحاد الإفريقي.

الخطوة الأولى.. انتزاع مقعد رئيس المفوضية

لم تقف الجهود المصرية على التصريحات فقط، فبحسب خبير بالاتحاد الافريقي تحدث إلى "سودان سكوب" فإن القاهرة هي من نسقَت وقادت عملية انتخاب الجيبوتي محمد علي يوسف رئيساً لمفوضية الاتحاد الافريقي، وهو المنصب التنفيذي الأول في الاتحاد، ويمكن لمن يتسنم هذه الوظيفة أن يتحرك بحرية كبيرة في ملفات معقدة، وبقليل من التنسيق مع بعض الدول ذات التأثير يستطيع الجالس في مقعد رئاسة المفوضية أن يفرض رؤيته وحلفاءه في أي ملف بقليل من المجهود.
ويضيف الخبير الافريقي أن التحالف الذي تقوده مصر بالتنسيق مع رئيس المفوضية في طريقه لتقويض أهم الركائز التي يقف عليها الاتحاد الذي يرفض الانقلابات على الأنظمة الدستورية، حيث يجري الجيبوتي محمد علي يوسف في هذه الفترة لقاءات لفك تجميد عضوية كل الدول معلقة العضوية بدعوى أن هذه الدول يمكن أن تغادر مقاعد الاتحاد إلى غير رجعة!، وإذا قارنا هذه الحجة نجدها تقارب المنطق المصري الذي يطالب بعدم تعليق عضوية الدول التي تخالف دستور الاتحاد لفترة طويلة لأن ذلك يهدد الاستقرار الإقليمي!

التحالفات فوق المبادئ

بعودة لنشاط هذا التحالف الذي تقوده مصر ويمثل الجيبوتي محمد علي يوسف اللاعب المحوري فيه، فقد حقق هذا التحالف اختراقات كبيرة في ملف فك تجميد عضوية السودان لصالح حكومة بورتسودان، فبالرغم من تساهل الاتحاد الافريقي في مسألة إعادة العضوية حيث يشترط فقط انتخابات شكلية إلا أن التحالف الذي تقوده مصر برفقة الجزائر في طريقه لتسجيل سابقة جديدة بفك تجميد العضوية لمجرد أن قائد الجيش عين شخصاً مدنياً على رأس مجلس الوزراء، وهو الأمر الذي لم تحققه مصر نفسها ولا الغابون ولا غينيا بيساو، كل هذه الدول أجرت حكوماتها الانقلابية انتخابات بدون منافسة حقيقية، وعادت لعضوية الاتحاد مثل مصر السيسي.

هناك سابقة أخرى تؤكد أن التحالفات هي الأساس في اتخاذ القرارات في هذا الاتحاد القاري، حيث لم يستجب محمد كاكا لكافة مطالب القادة الافارقة وورث الحكم بعد مقتل والده إدريس دبي رئيسًا للمجلس العسكري في تشاد، ولم يفرض الاتحاد أي عقوبات على انجمينا رغم المحاولات المستميتة التي قام بها التشادي موسى فكي رئيس المفوضية السابق، واستطاعت فرنسا التي كانت تحظى بنفوذ واسع في القارة من خلال تحالفاتها في المنطقة أن تبقي حكومة كاكا ضمن الدول الفاعلة، فقط "3" أصوات في مجلس السلم والأمن طالبت بفرض عقوبات على تشاد وبالتالي نجت حكومة كاكا من مقصلة العقوبات.


هدف ذهبي في شباك التحول الديمقراطي

راج في وسائل اعلام سودانية تدعم حكومة بورتسودان أن اجتماعات الاتحاد الافريقي في الأسبوع الأول من أغسطس ستنظر في مسألة فك تجميد عضوية السودان، وحينما لم يصدر بهذه الصيغة تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي تقاريراً صحفية تشير لفشل بورتسودان في نيل الرضا الافريقي، لكن للدقة التصويت على فك تجميد عضوية السودان لم يكن مدرجاً على جدول اجتماعات مجلس السلم والأمن، وبعبارة أخرى لم تكن هذه خطة حلفاء بورتسودان الذين يعملون على إنضاج طبختهم على نار هادئة.
وبتتبع الوقائع نجد أنه خلال اجتماع مجلس السلم والامن الافريقي نهاية شهر يوليو الماضي، نجح التحالف الداعم لبورتسودان في استصدار بيان رافض لحكومة الدعم السريع وحلفائه التي أعلنت من نيالا، ولم يتوقف البيان هنا، بل ذهب أبعد من ذلك، وأعلن اعترافاً صريحا بحكومة برهان ومجلس السيادة الذي يعينه ويقوده برهان، وبعد أقل من أسبوع حقق ذات التحالف هدفاً ذهبياً في شباك التحول الديمقراطي في القارة، وذلك من خلال إصدار جملة قرارات يعترف فيها بحكومة كامل ادريس كأساس لمسار الانتقال الديمقراطي، ويبني خطواته المقبلة على خارطة طريق بعث بها البرهان للعالم في مطلع العام عبر وزير خارجيته المقال الدكتور على يوسف الشريف، ولم تقف قرارات الاتحاد الافريقي عند هذا الحد فقد وجه المجلس المفوضية بالتنسيق لزيارة ممثلين له لمدينة بورتسودان، وتأسيس مكتب للاتحاد لمتابعة مسار التحول الديمقراطي عن كثب!

في الختام تشير التحليلات التي تم سردها في ثنايا هذا التقرير، أن التحالف الداعم لبرهان في الاتحاد الافريقي أوصل القضية لأقصى نقطة لتحقيق الهدف مما يجعل من خبر فك تجميد عضوية السودان في الاتحاد مسألة وقت فقط.