في ظل المشهد السوداني المعقد منذ حرب 15 أبريل 2023 يبرز التحالف المدني الديموقراطي لقوى الثورة "صمود" ككيان يسعى لتقديم رؤية جديدة لوقف الحرب وإرساء السلام المستدام، يشمل تشكيل "صمود" قوى سياسية ونقابية وتنظيمات مهنية ومنظمات مجتمع مدنى، بجانب قوى اجتماعية، ولجان المقاومة التي كان لها دوراً مؤثراً في اسقاط نظام انقلاب 30 يونيو 1989، من عمق هذه اللجان تقدمت الأستاذة الجامعية والناشطة السياسية هيام البشرى لتنافح أجهزة الأمن وكتائب الظل بثبات إلى أن تمكن الشعب السوداني من إزاحة النظام الديكتاتوري الدموي في أبريل 2019، وعند اندلاع الحرب كانت الأستاذة هيام ضمن مجموعة كبيرة من السودانيين الداعين لإيقافها، و غادرت السودان للمشاركة في أول مؤتمر للتحالف الرافض للحرب والذي تمخض عن تأسيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" ، وتم اختيار الأستاذة هيام نائباً لرئيس التحالف، وعند خروج مجموعة من القوى المشاركة في "تقدم" لتنضم لتحالف تأسيس ، حافظت بقية القوى السياسية والمدنية على ذات هياكل تقدم في تحالف جديد بمسمى "صمود"، وظلت الأستاذة هيام نائباً للرئيس في التحالف الجديد كرمز لنضالات لجان المقاومة والمرأة السودانية التي كانت الأكثر تأثيراً في نجاح الثورة السودانية.

نقلب معا في هذه المساحة ملفات الحرب والسلام مع الأستاذة هيام البشرى نائب رئيس الهيئة القيادية للتحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود"، فإلى مضابط الحوار.

بداية، لماذا برزت "صمود" في هذا التوقيت تحديداً، وما الذي يميزها عن المبادرات الأخرى، خاصة في ظل الحديث عن "انقسام تقدم"؟

تحالف صمود هو” طريق ثالث نقدم من خلاله رؤيتنا كقوى مدنية ديمقراطية ثورية، مستقلة تماماً عن أي من أطراف الصراع" ، جاءت "صمود" كمآل طبيعي لفك الارتباط مع تكتلات سابقة، ونهدف إلى وضع طريق ثالث لوقف وإنهاء الحروب في الدولة السودانية، وإرساء سلام مستدام عبر الطرق السلمية التفاوضية، نحن نؤمن بأن الحل لا يمكن أن يأتي من الأطراف المتحاربة، بل من إرادة الشعب السوداني وقواه المدنية.

في كثير من التصريحات الإعلامية تقولون إنكم تسعون لتكوين أكبر جبهة لوقف الحرب، وذكرتم أنكم تعملون على إضافة أجسام أخرى للتحالف وتوسيع الجبهة المدنية.. ما هي أبرز الجهود التي قمتم بها في هذا الصدد؟

لقد قمنا بإرسال وطرح رؤيتنا للرأي العام وللأطراف الفاعلة بمختلف أجسامهم الداعمة لوقف الحرب. بعد ذلك، أقمنا حوارات مكثفة في عدة دول، منها يوغندا، كينيا، ومصر، ناقشنا خلال هذه الحوارات مع الأجسام الشبابية، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات العامة، والأجسام النسوية، وغيرها، سبل توسيع الجبهة المدنية وطرحنا عدة طرق للتنسيق، أولها الانضمام المباشر “لصمود"، أو التنسيق على مستوى الرؤى والمواقف، أو بناء جبهة أكبر وأشمل. كما نسعى للتنسيق في مجالات متعددة مثل الإعلام، العمل الإنساني، والعمل الدبلوماسي كإرسال الوفود الخارجية. وقد رحبنا بكل التوصيات التي نتجت عن هذه النقاشات، وسنعمل على تضمينها في رؤيتنا.

هل هناك تواصل مع قوى سياسية أو حركات مسلحة أخرى؟

نعم، ومن أجل توسيع "صمود" كجبهة مدنية عريضة لدينا تواصل وتنسيق مستمر منذ أن كنا "تقدم" مع حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، وحزب البعث العربي، وكذلك المؤتمر الشعبي. نحن نؤمن بأهمية توسيع قاعدة المشاركة لكل من يؤمن بضرورة إنهاء الحرب وبناء دولة سودانية ديمقراطية.

ما هي المرتكزات الأساسية لرؤية "صمود" لوقف الحرب في السودان؟

رؤيتنا ترتكز على عدة محاور لوقف وإنهاء الحروب في الدولة السودانية. أهمها هو مخاطبة الكارثة الإنسانية كمدخل للعملية السياسية. وهذا يبدأ بـوقف إطلاق نار فوري وغير مشروط تحت ضغط إقليمي ودولي، بهدف فتح المسارات وإيصال المساعدات الإنسانية.

هذا يقودنا إلى إطلاق عملية سلام شاملة عبر عملية سياسية ذات ثلاث مسارات متزامنة تعمل في الوقت نفسه

أولاً/ المسار الإنساني.. يركز على إيصال المساعدات وحماية المدنيين

ثانياً/مسار وقف إطلاق النار.. يتضمن الاتفاق على وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية

ثالثاً/المسار السياسي.. يهدف إلى إطلاق حوار وطني شامل يخاطب جذور الأزمة ويرسي سلاماً مستداماً في البلاد. هذا الحوار سيشمل كافة الأطراف عدا المؤتمر الوطني وواجهاته.

كما نؤكد على أهمية التواصل المباشر مع طرفي الصراع، وحثهما على أن لا سبيل لحل مشاكل البلاد عسكرياً، ودعوتهما إلى الحل السلمي التفاوضي. نتحرك أيضاً على المستوى الإقليمي والدولي لحثهم على المساهمة في معالجة الكارثة الإنسانية، وتعزيز جهود وقف الحرب، والمساعدة في مهمة إعادة الإعمار عقب إحلال السلام.

وما هي الآليات التي تطرحونها لتحقيق هذه الرؤية الشاملة؟

لتحقيق ذلك، طرحنا عدة وسائل وآليات

أولاً/ الجبهة المدنية العريضة.. نسعى لتحقيقها عبر حشد الجهد الشعبي والسياسي الذي يضم كافة قوى الثورة والتحول المدني الديمقراطي، والتي وقفت ضد انقلاب 25 أكتوبر وحرب 15 أبريل.

ثانياً/ عملية سياسية عبر مائدة مستديرة.. أي حوار "سوداني-سوداني" يقود إلى تأسيس الدولة السودانية على أسس جديدة، وإنهاء الحروب فيها.

وما هي المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها رؤيتكم لتأسيس الدولة السودانية؟

رؤيتنا ترتكز على أسس ومبادئ مهمة لإنهاء الحروب وتأسيس الدولة، وهي وحدة السودان شعباً وأرضاً مع سيادة تامة على أراضيه ومواردها، والمواطنة بلا تمييز، وبناء وتأسيس المنظومة الأمنية والعسكرية على أسس وطنية، والاعتراف بالتنوع التاريخي وحسن إدارته، وبناء وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية، وكذلك تتضمن رؤيتنا مهام وهياكل ومستويات الفترة التأسيسية الانتقالية التي نرى أنها ضرورية.

فيما يخص الحراك الدولي، ما هي جهودكم لدعم الحلول السلمية على هذا الصعيد؟

تنطلق رؤيتنا من دعمنا لكافة المنابر التفاوضية التي تسعى للحلول السلمية، بدءاً من منبر جدة والمنامة وغيرها من المنابر. من أحدث مجهوداتنا في هذا الشأن، قمنا بإرسال عدة رسائل لدعم الرباعية التي تعقد اجتماعاتها في واشنطن في يوليو الجاري. أوضحنا أن هذه الرباعية تشكل بارقة أمل للسودانيين، وقدمنا رؤيتنا لحل الأزمة السودانية من خلالها

أخيراً، ما هي أبرز التحديات التي تواجهون عملكم على الأرض في الداخل السوداني؟

يواجه تحالف صمود، كامتداد مدني ثوري يعمل في ظل أوضاع بالغة التعقيد، جملة من التحديات الداخلية التي تؤثر على فعاليته وانتشاره، ويمكن تلخيصها في المحاور التالية:

أولاً/القبضة الأمنية وتعدد جهات الاعتقال

تصاعدت حدة الانتهاكات الأمنية، حيث باتت القبضة الأمنية أداة قمع مباشر ضد الكوادر المدنية والنشطة في المجال الاعتقال، بجانب تعدد الأجهزة المنفذة لعمليات الاعتقال ما بين استخبارات الجيش الدعم السريع الشرطة النظامية، أو حتى المليشيات المحلية خلق بيئة من الرعب وانعدام الأمان، كما تعرض العديد من الناشطين للاعتقال خارج القانون مع تعذيب منهجي واحتجاز في أماكن غير معلومة.

ثانياً/العنف الممنهج كأداة لإرهاب المجتمع

تنامت ظاهرة العنف الممنهج تجاه النشطاء لا سيما في المناطق التي تحاول فيها المكونات المدنية إعادة تنظيم نفسها، وشملت الانتهاكات الاعتداءات الجسدية التهديد بالقتل الملاحقة المستمرة والاستهداف العائلي والمجتمعي.

ثالثاً/الترصد القضائي وتلفيق التهم

استخدام الجهاز القضائي كأداة للبطش عبر فتح بلاغات ملفقة ضد النشطاء تتعلق بجرائم المعلوماتية " التخابر وتقويض النظام الدستوري أو المساس بهيبة الدولة". وتمثل هذه التهم تهديداً حقيقياً للحريات حيث يصعب الدفاع القانوني عنها في ظل بيئة عدلية منهارة أو مسيّسة.

رابعاً/التحديات الإعلامية وحملات الشيطنة

تنفذ أجهزة الدولة وأذرعها الإعلامية حملات ممنهجة لتشويه صورة القوى المدنية والثورية. وتعمل على تصوير لجان المقاومة والنقابات والكيانات المدنية كـ "عملاء أو أدوات خارجية، وهو ما ساهم في خلق حالة من العزلة الاجتماعية والتردد الشعبي تجاه العمل الثوري".

خامساً/لتجريف البشري والفراغ القيادي

تسبب القمع وغياب الحماية وتردي الأوضاع المعيشية في موجة هجرة واسعة للصف الأول من الكوادر السياسية والمهنية، وانعكس ذلك سلباً على عملية البناء التنظيمي والتنسيقي داخل السودان، وخلق فراغاً قيادياً في الأجسام المدنية بما فيها "لجان المقاومة الأحزاب النقابات والمجتمع المدني والشخصيات النوعية".

سادساً/التحديات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالحرب

أدت الحرب إلى تدهور الأوضاع المعيشية، ما جعل الأولويات الشعبية تنزاح نحو البقاء والمعيشة، على حساب العمل العام والتنظيم السياسي. وساهمت الأزمات الإنسانية في تشتيت المجتمعات القاعدية، وفرض واقع النزوح واللجوء، ما يصعّب عملية بناء قواعد متماسكة للتحالف.