الحرب في السودان دمرت البنية التحتية لقطاع الأعمال

إقتصاد ممركز في حرب غير متوقعة

المهندس ياسر كمبال:

الحرب في السودان دمرت البنية التحتية لقطاع الأعمال

  •  تمركز القطاع الصناعي والمالي في العاصمة فاقم من حجم الخسائر
  • التدمير في قطاع الكهرباء يشكل التحدي الرئيسي أمام إعادة الإعمار
  • يقع العبء الاكبر على قيادة الدولة في خلق بيئة اقتصادية جاذبة للاستثمار الأجنبي
  • حماس كبير لدى العديد من رجال الأعمال السودانيين والأجانب للعودة للعمل في حال توقفت الحرب رغم إدراكهم للمخاطر العالية
  • لابد من استثمار أجنبي حقيقي للاسهام في تطوير الاقتصاد

اتفق عدد من الخبراء الاقتصاديين وأصحاب أعمال تحدثت إليهم “سودان اسكوب” على أن القطاع الخاص يساهم بشكل كبير في الاقتصاد السوداني، على عكس غالب دول المنطقة التي يعد القطاع العام هو عماد اقتصادها، من حيث توفير فرص التوظيف أو طرح المشروعات الضخمة التي تحرك عجلة الاقتصاد.

أسهم أصحاب الأعمال من الجنسين في دعم ثورة الشعب السوداني في ديسمبر 2018 ضد حكومة البشير كونهم من الفئات الأكثر ضررا من السياسات والأساليب الفاسدة للمجموعة المسيطرة على البلاد والاقتصاد. وعقب تشكيل الحكومة الانتقالية شارك أصحاب الأعمال بشكل واسع في كل المداولات والقرارات الخاصة بالشأن الاقتصادي، من ناحية رسم سياسات أو إصدار قوانين ذات صلة بالقطاعات الاقتصادية الفاعلة في البلاد.

وتسبب الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021 بخسائر ضخمة للقطاع الخاص، حيث سيطر على المشهد الاقتصادي مجموعة من رجال الأعمال المرتبطين بقضايا فساد، وقبل أن يتمكن أصحاب المشاريع الصناعية والزراعية والتجارية من حصر خسائرهم عقب الانقلاب، إذا بالحرب تندلع في أبريل 2023 مما انعكس سلبا على القطاع الخاص الذي حاول الكثير من الفاعلين فيه الهروب من ولاية الخرطوم ومحاولة بناء أعمالهم في الولايات التي لم تشتعل فيها الحرب، إلا أن امتداد المعارك لمناطق جديدة دفع بالعاملين في القطاع الخاص إلى مغادرة البلاد، محاولين النجاة بأنفسهم والقليل من أموالهم.

سنفتح في “سودان اسكوب” الباب أمام أصحاب الأعمال من الرجال والنساء في مختلف القطاعات الاقتصادية لعكس تجربتهم مع الحرب، وتقديم تصوراتهم لإعادة بناء الاقتصاد السوداني في مرحلة إعادة الإعمار التي من المؤمل أن تأتي عقب اسكات صوت السلاح مباشرة.

وفي مستهل مناقشاتنا حول واقع ومستقبل القطاع الخاص في البلاد، تحدثنا إلى رجل الأعمال المهندس، ياسر كمبال، الذي تركز نشاطه في القطاع الصناعي، وابتدرنا الحوار بسؤال مباشر حول حجم خسائر القطاع الخاص بسبب الحرب وما إذا كانت هناك احصاءات وبيانات موثوقة في هذا المجال وكانت الاجابة صادمة ” كما هو معلوم لكل متابع للاقتصاد السوداني أن القطاع المالي والصناعي كان ممركزا في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاثة. وعند اندلاع الحرب، تدمرت أو توقفت القطاعات المالية، مثل البنوك والشركات الصناعية، وتعرضت هذه القطاعات إما للقصف المباشر، أوأعمال السرقة والحرق. وفي الواقع، لاتوجد حتى الآن إحصاءات بشأن الدمار الذي خلفته الحرب”.

وعن استراتيجيات أصحاب الأعمال للتأقلم مع الواقع الكارثي الذي صنعته الحرب يقول المهندس كمبال: “بالنسبة لغالبية أصحاب العمل والمهتمين بالاقتصاد، لم تكن هناك توقعات أو ترجيحات بمعايشة حرب طويلة المدى وبالغة التأثير. وفي الواقع، استند أصحاب هذا التحليل على تاريخ وطبيعة التغييرات العسكرية في العقود الماضية”، وأضاف أن هذا المصير الذي فرضته الحرب الطويلة، دفع الغالبية من أصحاب الأعمال للتوقف نتيجة لفقدان رأس المال بشكل كلي، أوانتظارا لفترة مابعد الحرب، أو انتقال البعض القليل من أصحاب العمل إلى خارج البلاد في محاولة للاستثمار الصغير في دول أخرى أكثر ملائمة.

وعن أهم التحديات التي تواجه عودة النشاط الاقتصادي في اليوم التالي للحرب يفيد كمبال أنه على مدى سنوات، وقبل أن تندلع الحرب، كانت البنية التحتية، وخصوصا صناعة الكهرباء، هي العقبة الرئيسية التي قادت باستمرار إلى ضعف الإنتاج، والآن ثمة عقبة أكبر هي انهيار النقل الكهربائي والمحولات”. ويستدرك قائلا “لكن، وبالملاحظة، لدى المستثمرين دائما حلول، ولكن على الدولة، أيضا، أن تساعد. وهنا لابد من الإشارة إلى والتأكيد على الاستقرار، والعلاقات الجيدة مع المجتمع الدولي، مع وجود الإدارة الفاعلة والتخطيط السليم، بهذه العوامل يمكن جلب صيغ مختلفة من التمويل طويل الأجل، وهناك تجارب لدول عديدة استجابت لهذه الشروط، والآن تسير في الطريق. وفي الواقع، لابد من استثمار أجنبي حقيقي، ولن يحدث هذا إلا في وجود رؤية سياسية وشفافية بالنسبة للدولة. وأيضا، مستوى من حب الوطن. بعبارات أخرى، لابد من وجود تخطيط وأهداف لما بعد الحرب؛ حيث تلعب قيادة الدولة الدور الأكبر لجعل الاستثمار فعال ويصب في مصلحة المواطن”.

وعن أوضاع أصحاب الأعمال في الخارج ينوه كمبال إلى أن تقسيم رأس المال السوداني وضعفه حالا دون وجود حوافز أو استقطاب من دول الإقليم، مضيفا “برغم ذلك استفادت بعض اقتصاديات دول الإقليم من هجرة السودانيين من خلال قطاع العقارات وزيادة التجارة والاستيراد إلى الداخل السوداني”.

وفي رده على سؤال “سودان اسكوب” حول مقدرة أصحاب الأعمال على الدخول في شراكات دولية في مرحلة اعادة الاعمار أشار إلى أن القطاع الخاص السوداني يمر حاليا بفترة تعد الاسوأ في تاريخه وبالتالي من الصعب أن يلعب أي دور بكفاءة، لكن برغم ذلك يمكن الإشارة إلى أن القطاع الخاص حظي بتمثيل خارجي وعلاقات جيدة، وهو محل احترام وتقدير عالمي مما يفتح الباب واسعا أمام الشراكات الكبرى مستقبلا.

واستكمالا لسياق الحديث عن مرحلة إعادة الإعمار يقول كمبال بأنه استنادا إلى بعض النقاشات وآراء العديد من رجال الأعمال السودانيين، وكذلك الأجانب، يمكن ملاحظة مستوى من الحماس لعودة بعض رؤوس الأموال إلى السودان رغم إدراك أصحابها للمخاطر العالية. ومع ذلك، فإن ظروف التحسن المثلى مربوطة بتوقف الحرب؛ لأنه من المتوقع أن تعقب الحرب فرص جيدة لعودة الاستثمار.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *