خاص-سودان سكوب
لأكثر من عامين يواجه السودان محنته السياسة الخاصة، متمثلة في الحرب المندلعة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن ثمة محنة أخرى ترافق الحرب. إنها التغيير المناخي الكبير الذي يتمدد على كامل الأراضي السودانية.
بالنسبة لعلماء البيئة والمناخ، هناك أزمة ثلاثية تهدد كوكب الأرض، تتمثل في تغيُّر المناخ، وفقدان التنوع الحيوي، والتلوث. هذه الأزمة تهدد كوكب الأرض بأكمله، والدول النامية بصورة أكبر وأخطر. وتؤكد العديد من التقارير الدولية الصادرة بشأن التغيُّر المناخي وآثاره أن السودان، بشكل خاص، مرشح لأن يصبح من أوائل المناطق غير الصالحة للحياة نتيجة لتغيُّر المناخ الناجم عن الاحتباس الحراري.
في تصريح سابق لقناة (سي إن إن) الأمريكية، قال عالم المناخ، جوس ليليفلد، وهو باحث في معهد (ماكس بلانك) للكيمياء: "إن مناطق شمال إفريقيا حارة بالفعل. وحاليا، يستمر ارتفاع درجات الحرارة فيها. وفي لحظة ما، خلال هذا القرن، سيصير جزء من هذه المنطقة غير صالح للحياة، وهذا يحدث في منطقة تمتد من المغرب حتى السعودية".
وبحسب دراسة حديثة أعدتها الدكتورة رحاب محمد الحسن، منسقة مشروع الاتصال الوطني الثالث لاتفاقية تغيُّر المناخ، فإن انبعاثات الغازات الدفيئة زادت بنسبة 50% خلال الفترة من 1970 إلى 2004 مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. ويشير مركز رصد النزوح الداخلي (IDMC) إلى أن الأمطار غير المنتظمة دمرت المحاصيل، وصار السودان يعاني من الجفاف، وكذلك من الفيضانات التي تجعل الأراضي غير صالحة للزراعة. وفي هذا الوضع، تشرد أكثر من 600 ألف شخص خلال الفترة بين 2013 و2018 بسبب الأزمات المتعلقة بالفيضانات.
في السياق نفسه، يقول الدكتور معتصم نمر، رئيس الجمعية السودانية لحماية البيئة، إن درجات الحرارة ارتفعت بمقدار 2.1 درجة فهرنهايت (أي حوالي 1.2 درجة مئوية) خلال القرن الماضي، وهناك توقعات بأن ترتفع إلى 8.6 درجة فهرنهايت (أي حوالي 4.8 درجة مئوية) خلال المائة عام المقبلة.
في ورقة بحثية كتبها الدكتور عبدالإله محمد الحسن عبدالسلام، عميد كلية العلوم الصحية والبيئية في جامعة الجزيرة، نشرت في مجلة أسيوط للدراسات البيئية في يناير 2009، عن الآثار البيئية والمناخية على السودان، يقول إنه من المتوقع انخفاض إنتاجية محصول الذرة في غرب السودان بنسبة 80%، مما يؤدي إلى أزمة غذائية بالمنطقة ومن ثم نزوح جماعي. كما أشار إلى أن إنتاج الصمغ العربي، الذي يشكل 85% من إنتاج العالم، ويُعد من المحاصيل الرئيسية للسودان، قد يتراجع بنسبة 25–30%، مما سيؤثر سلبًا على الناتج المحلي والاقتصاد الوطني. كما نبه إلى زيادة متوقعة في معدلات انتقال الملاريا، خاصة بين شهري أكتوبر وديسمبر، بالإضافة إلى تفاقم ظاهرة التصحر وما يترتب عليها من تدهور التربة وزيادة العواصف الترابية.
وفي تقرير مشترك بين وزارة الزراعة والغابات والبنك الدولي (2016)، يتبين أن 65% من سكان السودان يعتمدون على الزراعة، التي تسهم بمقدار يتراوح بين 30–35% من الدخل القومي. ويؤكد تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لعام 2018 أن نصف القوى العاملة السودانية تشتغل بالزراعة.
يتغير مناخ السودان بارتفاع درجات الحرارة، وتقلّب هطول الأمطار، وزيادة الجفاف والفيضانات وارتفاع منسوب البحر. ومن أبرز الآثار: تدني إنتاج الغذاء.
يعتمد السودان بصورة كبيرة على الوقود الأحفوري (الذي يشمل الأخشاب، الفحم، البترول، المخلفات الزراعية والحيوانية)، ما يعرّض السكان لأشكال متعددة من التلوث. ووفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن 56% من إمدادات الطاقة تأتي من الوقود الأحفوري، و39% من المواد البترولية مثل البنزين والديزل والزيوت الثقيلة، و5% من الطاقة الكهرمائية.
بحسب تقرير الهيئة العامة للأرصاد الجوية (2019)، تتراوح معدلات درجات الحرارة القصوى في السودان بين 41–47 درجة مئوية خلال فصول السنة، وهي معدلات مرتفعة للغاية. وتُعد البيئة الصحراوية والجفاف من العوامل المهيئة للعواصف الترابية، وهي مصدر رئيسي للتلوث الهوائي.
تشكل الصحراء حوالي 72% من مساحة السودان، وتبلغ الأراضي الصالحة للزراعة 216 مليون فدان، يُستغل منها فقط 56 مليون فدان (21.3%)، حسب وزارة الزراعة (2018).
ووفق دراسة لمنظمة (الفاو)، كان الغطاء النباتي يغطي 40% من مساحة السودان عام 1950، لكنه تراجع إلى 27% مع بداية الألفية، ثم تقلص إلى 10.3% فقط عام 2015. ويُضاف إلى ذلك فقدان ثلث مساحة البلاد بانفصال جنوب السودان عام 2011.
قال مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في السودان، أتيلا أوراس، إن الصحراء توسعت جنوبًا بنحو 200 كيلومتر، وتزداد سنويًا بمعدل 4–5 كيلومترات. كما أن الارتفاع غير المسبوق في مياه النيل الأزرق تسبب في فيضانات اجتاحت 17 ولاية من أصل 18 في البلاد. وفي بلد يعتمد على الموارد الطبيعية، فإن هذا الوضع يمثل تهديدًا مباشرًا للسلام والأمن المائي والغذائي والصحة العامة.
جميع الدراسات أعلاه أُنجزت قبل اندلاع حرب 15 أبريل 2023م، ويُلاحظ أن التدهور البيئي قد بلغ مستويات عالية حتى في ظل وجود سلطة مركزية مستقرة، رغم الصراعات في بعض الأقاليم. أما اليوم، وفي ظل غياب تام للدولة وانشغال المؤسسات العسكرية بالحرب، فإن الوضع البيئي مرشح للمزيد من التدهور دون وجود آلية فاعلة للتصدي له.
توقفت الأنشطة الزراعية في العديد من مناطق الحرب، وتراجع الغطاء النباتي بشكل ملحوظ. كما أن الحرب أفرزت مشكلات بيئية جديدة، مثل وجود آلاف الجثث في الشوارع والنيل، وهو ما ينذر بكوارث صحية وأوبئة تهدد حياة السكان، وخاصة الفئات الأكثر ضعفًا، مثل الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل وذوي الأمراض المزمنة والإعاقة.