د. إيناس خليل

أخصائية الصحة العامة والأمراض الوبائية

أدى الصراع الدائر في السودان، والذي بدأ في 15 أبريل 2023، إلى عواقب بيئية مدمرة تهدد صحة السكان حالياً ومستقبلاً. تتناول هذه المقالة المخاطر الصحية والبيئية الرئيسية المرتبطة بالحرب، وذلك في إطار سلسلة مقالات نحاول فيها تسليط الضوء على الاثار السلبية للحرب على البنية التحتية للقطاع الصحي -شبه المنهار ما قبل الحرب- وانعكاس ذلك على صحة سكان السودان بشكل عام.

إذا نظرنا في البداية إلى المياه والهواء والتربة سنجد الأزمة البيئية الكبرى التي يعاني منها كل الموجودين في الجغرافية السودانية، فقد أدى تلوث المياه إلى تدمير البنية التحتية للمياه، بما في ذلك محطات المعالجة ومحطات الضخ، ونتج عنه تقويض إمكانية الحصول على المياه النظيفة. كما تسربت مواد سامة من المنشآت الصناعية المتضررة إلى مصادر المياه، مما شكل مخاطر صحية جسيمة. كما أدت حرائق النفط الكبيرة إلى تدهور جودة الهواء، مطلقةً غازات وملوثات خطرة. وقد تسبب حريق كبير في يناير 2025 في تصاعد سحابة دخان ضخمة امتدت لأكثر من 300 كيلومتر.

ومن نتائج إطلاق النار المستمر في الخرطوم تدمير المناطق الصناعية، مما أدى إلى تسرب مواد سامة إلى التربة. ولم تقف الكوارث البيئية عند تبادل النيران، فقد أدى تزايد الطلب على الحطب والفحم نتيجة لعدم وجود الكهرباء إلى تسريع إزالة الغابات، مما أسهم سلباً في تدهور البيئة وفقدان التنوع البيولوجي.

 وبناء على ما سبق نجد أن الحرب قد زادت الحرب من خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه مثل حمى الضنك والملاريا والكوليرا والإسهال بسبب مصادر المياه الملوثة وسوء الصرف الصحي.

وانعكست كل هذه الكوارث البيئية على الوضع الصحي للسكان، فقد أدى تلوث الهواء الناجم عن الحرائق الصناعية والأضرار الناجمة عنها إلى مشاكل في الجهاز التنفسي بين السكان. كما نتج عنه مشكلة أخرى متمثلة في انهيار قطاع صناعة الدواء مما أدى إلى عدم توفر الأدوية المنقذة للحياة بما فيها أدويه الربو والازمة. 

وتناسلت الأزمات التي يتعرض لها السودانيين بسبب الحرب، فقد أدى الصراع إلى تعطيل أنظمة إنتاج وتوزيع الغذاء، مما دفع الملايين إلى حافة المجاعة. يعاني حوالي 42% من سكان السودان من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

ولازلنا في مرحلة رصد التحديات البيئية المُساهمة في تفشي الأمراض، فقد أدت الفيضانات والأمطار الغزيرة -مع غياب أجهزة الدولة- إلى كثافة انتشار البعوض مما يزيد من انتقال أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك وحمى شيكونغونيا.

وكذلك قاد سوء الصرف الصحي والنظافة إلى نقص الوصول للمياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي وممارسات النظافة في انتشار الكوليرا وغيرها من الأمراض المنقولة بالمياه. ومن البديهيات عن اندلاع أي حرب في العالم هروب السكان المدنيين إلى مناطق بعيدة عن الصراع، وأدى هذا النزوح الجماعي إلى اكتظاظ سكاني وظروف معيشية سيئة، مما يزيد من خطر انتقال الأمراض.

وبهذه الرصد المبسط للأزمات البيئية والصحية المتفاقمة التي يتعرض لها السكان في السودان نشدد على ضرورة تصدي السلطات المختصة في السودان لهذه الكوارث المركبة عبر منهج متكامل يشتمل على حل النزاعات وإدارة الموارد وتمكين المجتمع. يُعد الدعم الدولي أمرًا بالغ الأهمية لإعادة بناء هياكل إدارة الموارد والحوكمة في المناطق المتضررة من النزاع.

ومن ناحية فنية نوصي بأن يتم في البداية إجراء تقييمات شاملة للأضرار البيئية لتوجيه جهود التعافي، إعطاء الأولوية لإعادة تأهيل البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية، بالإضافة إلى تعزيز ممارسات الاستخدام المستدام للأراضي والحوكمة البيئية لحماية الموارد الطبيعية في السودان.