منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023 و نذر انقسام السودان تبدو بائنة، مؤخرا أصبح هناك حكومتين في بورتسودان ونيالا.
بررت مجموعة تأسيس اعلانها حكومة في نيالا بانها تسعى لخدمة المواطنين بعد أن برزت مشكلة تغيير العملة وحصر امتحان الشهادة الثانوية بولايات محددة٬ بحانب ما اصطلح على تسميته اعلاميا بقانون الوجوه الغريبة.
وفي إطار العمل على تأسيس هذه الحكومة خرجت مجموعة من الحركات المسلحة وقوى أخرى من تنسيقية تقدم لتلتئم في جسم سياسي جديد مع الدعم السريع والحركة الشعبية شمال وتعلن عن تحالف جديد باسم "تأسيس".
التحالف اختار الدكتور علاء نقد ناطقا رسميا باسمه والذي بدوره أعلن عن المجلس الرئاسي للحكومة من مدينة نيالا.
وضعت سودان سكوب حزمة من القضايا والملفات والاتهامات على طاولة الدكتور علاء نقد.. فإلى مضابط الحوار
لماذا تشكل "تحالف تأسيس"؟ وهل الحكومة التي أعلنتم عنها هي غاية بحد ذاتها أم مجرد وسيلة؟
"تحالف تأسيس" هو تحالف فرضته الظروف الحالية للحرب، التي استمرت عامين. خلال هذه الفترة، قام الجيش بتخريب كل مسارات التفاوض وعرقل عملية السلام، معتقدًا أنه سيحقق انتصارًا سريعًا في أسابيع وعندما فشلوا انتقلوا إلى تدمير البنية التحتية، وهو ما يتوافق مع مقولة الحركة الإسلامية: "سنعيد السودان كما وجدناه". على سبيل المثال، دُمِّرت مصفاة الجيلي وكوبري شمبات والعديد من المرافق الحيوية في العاصمة والأقاليم مثل محطات الكهرباء والمياه.
بعد ذلك، انتقلوا إلى إثارة العنصرية والكراهية والقبلية، لكي يحولوا السودان إلى حرب الكل ضد الكل، وهو ما يتفق مع شعارهم "فَلْتُرَقْ كل الدماء". السيناريو الأخير هو تقسيم السودان، وهو ليس جديدًا على الحركة الإسلامية. لقد بدأ هذا المشروع منذ حروب الجيش السوداني ضد السودانيين في "سياسة المناطق المغلقة"، واستمر حتى "مثلث حمدي" ومرورًا بانفصال جنوب السودان، بالإضافة إلى إشعال حروب دارفور. كل هذه مشاريع تقسيمية تظهر في نموذج "دولة البحر والنهر".
لقد جاء "تحالف تأسيس" بمبادئ فوق دستورية تعالج جذور الأزمة ومسببات الحروب في السودان منذ الاستقلال. هذه المبادئ، التي تم تضمينها في الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2025 وفي الميثاق السياسي للتحالف، هي التي ستعالج الأزمة وتوقف أسباب الحروب تمامًا. هذا هو الداعي الأساسي الأول لتشكيل التحالف.
أما حكومة السلام، فهي أداة وليست غاية. هي وسيلة لتنفيذ مهام عدة، أولها هو نزع الشرعية الباطلة التي يقودها البرهان و"زمرته"، والمؤتمر الوطني الإرهابي وحلفاؤه الذين أشعلوا الحرب يستعملون هذه الشرعية الزائفة للاستمرار في الحرب يجب نزع هذه الشرعية كما نصت عليها عدة مواثيق، حتى "تنسيقية القوى الديمقراطية تقدم" صرحت سابقًا بأنها تسعى لنزع الشرعية، لكن ما هي آليتها؟ ليس لديها آلية إلا عبر هذه الحكومة، التي تعد الأداة الفعالة والأساسية لنزع الشرعية.
بعد ذلك، يأتي دور حكومة السلام في الوقوف أمام مخطط الانقسام الذي تقوده الحركة الإسلامية وجيشهامن خلال خطاب الكراهية و حرمان المواطنين من الخدمات وبالتالي، دورها الأساسي هو تقديم الخدمات للمواطنين الذين حُرموا منها. من الواضح أن نصف السودانيين يعانون من انعدام الخدمات الضرورية مثل الصحة والتعليم.
من اولى مهام حكومة السلام إيقاف الحرب، وتهيئة المناخ من أجل عملية سياسية، وتعزيز دعائم الوحدة الوطنية الطوعية والتعايش السلمي، ومحاربة خطاب الكراهية والعنصرية، وحماية المدنيين، وتأسيس وبناء مؤسسات الدولة، وإكمال مهام ثورة ديسمبر المجيدة، وحماية الحقوق الدستورية لجميع المواطنين دون تمييز، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة النازحين واللاجئين، وإعادة الإعمار.
بينما حكومة عصابة بورتسودان -حكومة الامل المزعومة- لم يخترها السودانيون، بل كانت خيار المؤتمر الوطني وجيش الإسلاميين و"عصابة بورتسودان" ضد السودان والسودانيين وجاءت بمنسوبي الاسلاميين و المؤتمر الوطني من الصف الثاني والثالث للمناصب بينما يختبئ الصف الاول خلف الجيش لذا، لا بد من مواجهتها بأداة قوية، وهي آلة عسكرية وتحالف مدني عسكري لهزيمة هذا المشروع الإخواني الذي يسعى لتقسيم السودان.
كيف يمكن لهذه الحكومة أن تساهم في الحفاظ على وحدة السودان، خاصة وأنها أداة سياسية؟
الحفاظ على وحدة السودان يبدأ بهذه الحكومة، حكومة السلام هي أداة سياسية قوية تمنح الوضع الحالي دفعة جديدة وحركة سياسية للوقوف أمام مخطط الانقسام الذي تقوم به "عصابة بورتسودان". إضافة إلى ذلك، تهدف الحكومة إلى تقديم الخدمات للمواطن السوداني، وإشعاره بأن لديه حكومة تحفظ حقه وتصون كرامته. كما ستعمل على خدمة للمواطنين الموجودين في مناطق سيطرة "جيش الإسلاميين" من خلال فضح الممارسات الفاسدة في توزيع المساعدات والاستثمار في معاناة المواطنين وفرض الجبايات عليهم وفضح ذلك للمجتمع الدولي لادانته و الضغط على هؤلاء المجرمين الارهابيين. كما يحدث الان في الفاشر ومعسكرات زمزم وكلمة، حيث يتم استخدامهم كدروع بشرية وأسرى. فالمواطنون الموجودون في مناطق سيطرة الجيش هم أسرى لدى الجيش، فقد فُرضت عليهم حكومة غير شرعية أعادت الإسلاميين من الصفين الثاني والثالث ضد رغبة الشعب الذي ثار عليهم في ٢٠١٨ و اطاح بهم من السلطة ، فإن هذه الحكومة هي الخطة الأولية للحفاظ على وحدة السودان واكمال ثورة ديسمبر المجيدة.
ارتكبت قوات الدعم السريع جرائم حرب في كل بقاع السودان و رغم أقرار قيادتها بهذه الجرائم إلا ان الشعب السوداني و العالم لم يلمس أي جدية لمحاسبة المتورطين مما أسهم في إستمرار هذه الجرائم حتى الأن.. أنتم في تحالف تأسيس الا ترون انكم تتحملون العبء القانوني و الأخلاقي لهذه الجرائم.
لقد كنا في لجنة مشتركة بين "تقدم" والدعم السريع بعد إعلان أديس أبابا لتنفيذ القرارات والمبادئ التي وردت فيه. لقد نفّذ الدعم السريع الكثير منها، بما في ذلك إطلاق سراح الأسرى وحماية المدنيين. لقد تمكنّا من القبض على أربعة من العصابات التي تقوم بخطف المدنيين، وأطلقنا سراح العديد من منسوبي الاحزاب السياسية و الفاعلين المدنيين الذين أُسروا عن طريق الخطأ. السجون في مناطق سيطرة الدعم السريع ممتلئة بالمخالفين ومرتكبي الانتهاكات.
للأسف، القوى المدنية لا تعترف بذلك، وهذه إحدى المشكلات الكبرى. فقد تخلت القوى المدنية وتباطأت عن التزاماتها التي كانت موجودة في إعلان أديس أبابا. على سبيل المثال، كانت الإدارات المدنية مقترحًا من القوى المدنية في إعلان أديس أبابا، وليس مقترحًا من الدعم السريع. من إحدى توصيات اجتماعات هذه اللجنة أن يتم تزويد الدعم السريع بالخبرات في الزراعة وإدارة الخدمات في مناطق سيطرته ليكونوا في الإدارات المدنية، لمساعدة القوى المدنية. لكن القوى المدنية لم تعِ لذلك.
عندما ذهب الدعم السريع لتكوين الإدارات المدنية، تنصلت القوى المدنية من ذلك ولم تدافع عنها. كنتُ أنا الوحيد الذي خرج ودافع عن هذه الإدارات المدنية ووضح أنها كانت مقترحًا من القوى المدنية وليست مقترحًا من الدعم السريع وانها امر جيد لادارة شؤون المدنيين و للاسف هذا أمر مخزٍ جدًا في حق القوى المدنية والسياسية التي كانت موجودة في "تقدم".
لهذا السبب، فإن الانقسام في "تقدم" وتكوين تحالف جديد اسمه "تأسيس"، وذهاب البقية إلى "صمود"، هو أمر واقعي وطبيعي جدًا لأن بعض القوى المدنية لا تعترف بالحقائق وليس لديها الشجاعة لمواجهتها
ما هو موقف "تحالف تأسيس" من مسألة الإفلات من العقاب؟
كل وثائق "تأسيس"، سواء كانت سياسية أو دستورية، تنص على عدم الإفلات من العقاب، وعلى ضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم. كما أن إعلان أديس أبابا نص على ذلك، وكانت به لجنة وطنية ودولية للتحقيق. لا يوجد أي فرد في "تأسيس" ولا أي تنظيم من التنظيمات يسعى إلى الإفلات من العقاب. فالدعم السريع نفسه من الموقعين على الميثاق ودستور السودان للفترة الانتقالية لعام 2025، وتنص مبادئ الدستور على ذلك.
من يفلت من العقاب ويريد ذلك هو "جيش الإسلاميين" وحلفاؤه، لأنهم هم من أشعلوا الحرب ويستثمرون في هذه الانتهاكات. حتى أنهم مسؤولون عن الكثير من الانتهاكات الموجودة في مناطق سيطرة الدعم السريع عن طريق منسوبي الاستخبارات العسكرية و كيكل اكبر مثال على ذلك و من ثم يتم استخدام هذه الانتهاكات لشرعنة الحرب و خداع السودانيين باسم معركة الكرامة .
هل ستكون هناك مؤسسات دولة جديدة كالبنك المركزي وعملة خاصة بـ"حكومة السلام"؟
نعم، سيكون هناك بنك مركزي ومؤسسات دولة وعملة وكل المؤسسات الأخرى في "حكومة السلام". لن يتم التعامل مع المؤسسات الموجودة في "حكومة عصابة بورتسودان"، وهذا ما سيجبر المجتمع الإقليمي والدولي على التعامل مع "حكومة السلام".
ما هي مبادئكم للتفاوض لإنهاء الحرب؟
وضع التحالف مبادئ للسلام. لقد قلنا في كل مواثيق التحالف إن التفاوض هو العملية الأساسية لإنهاء الحرب. ولكنه لن يكون تفاوضًا كسابقه من منابر التفاوض التي يخربها المؤتمر الوطني الإرهابي و"جيش الإسلاميين". هناك مبادئ لهذه المفاوضات، من أهمها أن تكون هناك إجراءات لبناء الثقة. ستصدر هذه المبادئ في وثائق مفصلة في وثائق التفاوض التي سينتهجها التحالف لاحقًا، بعد تشكيل هذه الحكومة.
يرى البعض أنكم استبدلتم أقاليم بأقاليم أخرى. ما مدى صحة ذلك؟
هذا غير صحيح. والدليل على ذلك أنه في تشكيل الحكومة، يوجد حاكم للإقليم الشمالي والأوسط والشرقي، وجميعهم من أبناء الأقاليم. التحالف يضم أيضًا عناصر من هيئته القيادية من كل الأقاليم المختلفة.
للأسف، الكثير من القوى السياسية والمدنية الموجودة في "تقدم" اختارت خيارًا خاطئًا، وتقف في موقف المتفرج على من يقوم بتقسيم السودان. لقد اختارت الأحزاب السياسية، للأسف، عندما وُضعت بين خيار انقسام أحزابها أو انقسام السودان، أختارت انقسام السودان على انقسام أحزابها، وهو خيار خاطئ. لقد اختارت أن تحتفظ بأحزابها على الرغم من أنه في ظل الانقسام الإداري، إذا قدر لها أن تعمل عملًا سياسيًا، فأين ستفعله؟
بالتأكيد ستفعله وتمارسه في مناطق سيطرة "حكومة السلام "، وليس في مناطق سيطرة الجيش. لذا، فإن دعمها لـ"حكومة السلام" سيوفر لها ممارسة نشاطها السياسي بكل حرية، بدلًا من أن تقف هذا الموقف الخاطئ. يجب على القادة السياسيين والمدنيين أن يراجعوا مواقفهم وأن تكون لهم الصدق والشجاعة في مواجهة أنفسهم قبل أن يواجهوا السودانيين والسودانيات.
بالنظر إلى ما سبق، ما هو خياركم حال فشل حكومة تأسيس؟
السؤال الصحيح هو ما هو خيار السودانيين والسودانيات إذا لم تنجح "حكومة السلام والوحدة"، وإذا نجحت "عصابة بورتسودان" والمؤتمر الوطني في العودة لحكم البلاد؟ وما هو مصير السودانيين الموجودين في مناطق سيطرة "عصابة المؤتمر الوطني الإرهابي"؟
الخيار هنا واضح: إما أن يكون السودان أو أن يكون "الكيزان". هذه المسألة لا تقبل الجدل. يجب على السياسيين والقوى المدنية والفاعلين أن يواجهوا هذا الأمر بكل صدق وشجاعة حقيقية. هذه الحرب أوضحت تمامًا الفرق بين من يمتلك الصدق والشجاعة ومن لا يمتلكها في مواجهة الحقائق.
هناك اتهامات بدعم جهات إقليمية لقواتكم، مثل الإمارات. ما هو ردكم على ذلك؟
الاتهامات كثيرة، وإذا توقفنا عند هذه المواضيع فلن نمضي في طريقنا. ليست الإمارات وحدها، بل ليبيا، وإثيوبيا، وتشاد، وكينيا، والكثيرون يتهمون. لا نلقي بالًا لهذه الاتهامات، بل نمضي في طريقنا لتحرير السودان من حكم "عصابة المؤتمر الوطني الإرهابي" و"جيش الإسلاميين".
أعتقد أن كل الدول التي تم اتهامها قادرة على أن تدافع عن نفسها. وأكبر مثال على ذلك ذهاب شكوى "عصابة بورتسودان" سدىً في محكمة العدل الدولية أمام الإمارات. وبالتالي، فإن جميع هذه الدول اقدر على ان تدافع عن نفسها من ان ندحض نحن هذه الاتهامات.