سنار-سودان سكوب
مع انسحاب القوات المسلحة والميليشيات المتحالفة معها من مدينة (مدني) وسقوط عاصمة ولاية الجزيرة، تحولت الأنظار إلى (سنار) ، حيث تشكلت "الخلية الأمنية" في ديسمبر 2023. هذه الخلية، التي تضم وحدات من الاستخبارات العسكرية والشرطة العسكرية وهيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة ومباحث الشرطة وكتيبة البراء بن مالك٬ ومجموعات من قيادات المؤتمر الوطني وقوات الدفاع الشعبي.
لم يكن لدى قيادة الاجهزة النظامية السلطة على الخلية الأمنية واذا اعتقلت الخلية شخصا لن تجد عنه معلومة لدى الاجهزة المختصة٬ ولا يعلم احد قيادة الخلية التي كانت ولا زالت تشكل سلطة موازية تمتلك صلاحيات كل الاجهزة مجتمعة وتفوقها نفوذا. هكذا يحكي الناشط السياسي السناري لـ"سودان سكوب" والذي فضلنا حجب اسمه حماية له ولاسرته من ملاحقة الخلية الامنية. يسترسل مصدرنا قائلا : ( بدأت الخلية نشاطها بالتزامن مع فرض حظر التجوال وحالة الطوارئ من قبل والي سنار ٬ لكن ما كان يجب أن يكون إجراءً لحفظ الأمن، تحول إلى كابوس للمدنيين).
الاعتقالات التعسفية والتعذيب
عضو بلجان المقاومة في احدى قرى محلية السكر يفيد سودان سكوب بالاتي : منذ اللحظات الأولى، شهدت المدينة موجة من الاعتقالات التي استهدفت المدنيين، وخصوصًا أعضاء الأحزاب السياسية ونشطاء لجان المقاومة. لم تكن هذه الاعتقالات مجرد احتجازات روتينية؛ بل اتسمت بالعنف المفرط عند القبض على المعتقلين، وأثناء فترة الحبس والتحقيق. تعرض المعتقلون للضرب المبرح، ولأقسى أنواع التعذيب، والحرمان من الطعام والشراب لفترات طويلة. هذه الممارسات أدت إلى وفاة بعض المعتقلين على يد الخلية الأمنية داخل المعتقلات، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين٬ ولاحقا مع اقتراب المعارك من تخوم المدينة اصاب اعضاء الخلية هوس بالدعم السريع واصبح الاعتقال على الهوية او الوجود في المكان الخطأ مما زاد من وتيرة الانتهاكات وسط المدنيين.
اعدامات ميدانية
في حادثة مروعة تهز الوجدان، تم إعدام ستة أشخاص، بينهم فتاة إثيوبية، في ديسمبر 2023، على مرأى ومسمع المواطنين في منطقة "الصينية". هذه المنطقة، التي تعد تقاطعًا حيويًا يربط الطرق الشمالية والشرقية والغربية والجنوبية عند مدخل مدينة سنار، وتضم سوقًا ومقاهي، شهدت جريمة بشعة تؤشر إلى مدى تدهور الوضع الأمني. كانت هذه الحادثة بمثابة إيذان ببدء أيام وأشهر من الرعب الذي عاشته المدينة٬ وعندما تناقلت الالسنة السؤال حول هوية كتيبة الاعدام التي لا تتخفى وتقتل الناس في الاسواق كانت الاجابة همسا ومن كلمة واحدة " الخلية".
يقول الناشط السياسي ان الاعتقالات والتعذيب أقض مضجع سكان سنار٬ لكن ليس وحدهما ٬ فمع انتشار السلاح بشكل غير طبيعي، نتيجة لما يسمى بـ"الاستنفار"، تحول هذا الأخير إلى فرصة للمجرمين لحمل السلاح وممارسة كافة أنواع الانتهاكات في وجه المواطنين الذين أنهكتهم آثار الحرب.
لم يمر يوم في سنار دون حادثة سرقة للهواتف الشخصية تحت تهديد السلاح، ليس فقط من قبل المجرمين العاديين، بل من قبل وحدات تابعة للخلية الأمنية نفسها. تزايدت هذه الحوادث بوتيرة عالية في فبراير 2024، بعد قطع الاتصالات عن ولاية سنار وتوقف النظام المصرفي، مما زاد من عزلة المواطنين ويأسهم.
مقر الخلية وقانون "الوجوه الغريبة"
يقع المقر الرئسي للخلية الأمنية في حي الدرجة الجديدة غرب أسواق الدرجة، وهو مبنى مكون من خمسة طوابق، يمثل مركزًا لهذه الأنشطة الأمنية المثيرة للجدل. ويبدو أن مبدأ "قانون الوجوه الغريبة" يسود هناك، حيث يتم اعتقال الأشخاص لفترات طويلة دون سبب واضح، بمجرد الشك في تعاونهم مع قوات الدعم السريع.
هذا الوضع في سنار يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الأمن والاستقرار في الولاية. هل هذه الإجراءات الأمنية الصارمة، التي تفتقر إلى أدنى معايير الشفافية واحترام حقوق الإنسان، هي السبيل الوحيد لإعادة النظام؟ أم أنها تدفع المدينة نحو هوة أعمق من الفوضى واليأس، وتخلق بيئة خصبة للمزيد من العنف والانتهاكات؟ إن التجربة تعلمنا أن الأمن الحقيقي لا يمكن أن يتحقق على حساب الحريات الأساسية وكرامة الإنسان.
يعود عضو لجان مقاومة محلية السكر ليقول (في مناطقنا التي تمتد قراها على مساحات شاسعة تم اعتقال العشرات في الخلية الامنية٬ وجرى نهبهم وتعذيبهم وتوجيه اتهامات بالتعاون مع الدعم السريع٬ البعض كان محظوظا ليتعرف عليه شخص من كوادر الخلية ويطلق سراحه او تنجح مساعي اهله ونفوذهم في الوصول اليه وانقاذه من براثن موت محتمل).
ويضيف ان عمليات القبض على المواطنين كانت تتم في الطرق ويطالبونهم بكافة الاوراق الرسمية في حين ان المنطقة كانت في حالة نزوح بعد سيطرة الدعم على معظم مناطق الولاية ومحاصرته للمدينة من عدة اتجاهات.ويختتم بقوله ان معلوماته الاكيدة حول الجرائم المرتكبة من قبل اعضاء الخلية تؤهلهم للذهاب للمحكمة الجنائية الدولية وان ما يحدث الى الان داخل مبنى الخلية لا يقل بشاعة ووحشية من الممارسات التي شهد عليها العالم في سجن صيدنايا السوري.